جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٨٩
يقول الحق جل جلاله :﴿وأنَذِرْ﴾ يا محمد ﴿عشيرتَك الأقربين﴾، إنما خصهم
١٩٠
بالذكر ؛ لئلا يتكلوا على النسب، فَيَدَعُوا ما يجب عليهم، لأن من الواجبات ما لا يشفع فيها، بقوله في تارك الزكاة وقد استغاث به :" لا أملك لكم من الله شيئاً ". وفي الغالِّ كذلك. وقيل : إنما خصهم لنفي التهمة ؛ إذ الإنسان يساهل قرابته، وليعلموا أنه لا يغني عنهم من الله شيئاً ؛ إذ النجاة في اتباعه، لا في قربه منهم.
ولما نزلت صعد النبي ﷺ الصَّفا، ونادى الأقربَ فالأقرب، وقال :" يا بَني عبد المطلب، يا بني هاشم، يابني عبد مناف، يا عباسُ - عم النبي ﷺ - يا صفيَّةُ - عمَّة النبي ﷺ ؛ لا أمْلِكُ لكم من الله شيئاً " وقال ابن عباس رضي الله عنه : صَعدَ النبي ﷺ الصَّفا، ونادى :" يا صباحَاه " ؛ فاجتمع الناس، فقال ﷺ :" يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، إنْ أخبرتُكم أن خَيْلاً بسَفْح هذا الجَبَل، تريد أن تُغير عليكم، صدقتُموني ؟ قالوا : نَعَمْ. قال : فإني نذير لكم بين يَدَيْ عَذَاب شديدٍ. فقال أبو لهب : نبأ لك سائر اليوم، ما جمعتنا إلا لهذا " ؟ فنزلت :﴿تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ [المسد : ١].
ثم قال :﴿واخفضْ جناحك﴾ أي : وألن جانبك وتواضعْ، وأصله : أن الطائر إذا أراد أن ينحط للوقوع كسر جناحه وخفضه، وإذا أراد أن ينهض للطيران رفع جناحه، فجعل خفض الجناح مثلاً في التواضع ولين الجانب. ويكن ذلك التواضع ﴿لِمَنِ اتبعك من المؤمنين﴾ من قرابتك وغيرهم. ﴿فإن عَصَوْكَ فقل إني بريءٌ مما تعملون﴾ أي : أنذر قومك ؛ فإن اتبعوك وأطاعوك فاخفض لهم جناحك، وإن عصوك ولم يتبعوك فتبرأ منهم ومن أعمالهم ؛ من الشرك وغيره.