الإشارة : ينبغي لمن أُهِّلَ للوعظ والتذكير أن يبدأ بالأقرب فالأقرب، ولو علم أنه لا ينتفع به إلا النزر القليل. فمن تبعه على مذهبه فَلْيُلِنْ له جانبه وليتواضع له، ومن أعرض عنه واشتغل بهواه فليتبرأ من فعله، ولا ينساه من نصحه، ولذلك قال تعالى :﴿فإن عصوك فقل إني بريءٌ مما تعملون﴾، ولم يقل :" منكم "، وهذا مذهب الجمهور وأن الأخ إذا زلّ إنما يُبغض عمله فقط. وعن بعض الصحابة - وقد قيل له في أخيه، فقال : إنما أبغض عمله، وإلا فهو أخي، وذُكر مثل ذلك عن أبي الدرداء. وأن الأخ في الله لا يُبغض لزلته، ولا يترك لشيء من الأشياء، وإنما يبغض عمله، ووافقه على ذلك سلمان، وتابعهما عمر، وخالف في ذلك أبو ذر، فقال : إذا وقعت المخالفة، وانقلب عما كان عليه، فَأَبْغِضْهُ مِنْ حَيْثُ أحببتَهُ.
قال صاحب القوت : وأبو ذر صاحب شدائد، وعزائم، وهذا من عزائمه وشدائده. هـ. وهذا في المؤمن بدليل قول أبي الدرداء : الأخ في الله لا يبغض لزلة. وأما الكافر فصريح آياته :﴿إِنَّا بُرَءآؤاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ [الممتحنة : ٤]، ونحوها. وحديث ابن عمر وتبرئه من نفاة القدر - كما في مسلم - موجب للبراءة، وليس لكون حكم الأصول أشد من الفروع. وذكر في الإحياء تأكيد الإعراض عمن يتعدى أذاه لغيره ؛ بظلم، أو غصب، أو غيبة، أو نميمة، أو شهادة زور ؛ لأن المعصية شديدة فيما يرجع لأذى الخلق. هـ. من الحاشية.
قوله تعالى :﴿فتوكل على العزيز الرحيم﴾، قيل : التوكل : تفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره، ويقدر على نفعه وضره، وهو الله وحده، والمتوكل من إذا دهمه أمرٌ لم يحاولْ دفعه عن نفسه بما هو معصية. وقال الجنيد رضي الله عنه : التوكل أن تقبل بالكلية على ربك، وتُعرض بالكلية عمن دونه ؛ فإنَّ حاجتك إنما هي إليه في الدارين. هـ.


الصفحة التالية
Icon