الإشارة : طس : طهر سرك أيها الإنسان، لتكون من أهل العيان، طهر سرك من الأغيار لتشاهد سر الأسرار، وحينئذٍ تذوق أسرار القرآن والكتاب المبين، وتصير هداية وبشارة للمؤمنين : فإنَّ من قرأ القرآن وعمل به فقد أدرج النبوة بين كتفيه، كما في الخبر. ثم ذكر من امتلأ قلبه بالأكدار فقال :﴿إن الذين لا يؤمنون بالآخرة...﴾ إلخ، قال القشيري : أغشيناهم فهم لا يُبصِرون، وعَمَّيْنَا عليهم المسالك، فهم عن الطريقة المُثْلَى يَصدون. أولئك الذين في ضلالتهم يعمهون، وفي حيرتهم يترددون. ﴿أؤلئك الذين لهم سوء العذاب﴾ هو أن يجد الألم ولا يجد شهود المُبْتَلِي، ولو وجدوه تحمل عنهم ثِقَله بخلاف المؤمنين. هـ.
١٩٧
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٩٦
قلت :(تُلَقَّى) : مبني للمفعول. والفاعل هو الله ؛ لدلالة ما تقدم عليه، من قوله :﴿وإنه لتنزيل رب العالمين﴾. و(لقى) : يتعدى إلى واحد، وبالتضعيف إلى اثنين. وكأنه كان غائباً فلقيه، فالمفعول الأول صار نائباً. و " القرآن " : مفعول ثان، أي : وإنك ليلقيك الله القرآن.
يقول الحق جل جلاله :﴿وإِنك﴾ يا محمد ﴿لَتُلَقَّى القرآنَ﴾ أي : لتؤتاه بطريق التلقية والتلقين ﴿من لَدُنْ حكيمٍ عليم﴾ أي : من عند أيّ حكيم وأيّ عليم، فالتنكير للتفخيم. وفي تفخيمه تفخيم لشأن القرآن. وتنصيص على علو طبقته - عليه الصلاة والسلام - في معرفته، والإحاطة بما فيه من العلوم والحِكَم والأسرار، فإن من تلقى العلوم والحِكَم من الحكيم العليم يكون عَلَماً في إتقان العلوم والحِكَم. والجمع بينهما مع دخول العلم في الحكمة ؛ لعموم العلم، ودلالة الحكمة على إتقان الفعل، والإشعار بأن ما في القرآن من العلوم، منها ما هو حكمة، كالعقائد والشرائع، ومنها ما ليس كذلك، كالقصص والأخبار الغيبية. قاله أبو السعود.