يقول الحق جل جلاله : واذكر ﴿إِذْ قال موسى لأهله﴾ ؛ زوجته ومن معه، عند مسيره من مدْين إلى مصر :﴿إِني آنستُ﴾ أي : أبصرتُ ﴿ناراً سآتيكم منها بخَبَرٍ﴾ عن حال طريق التي ضل عنها. والسين للدلالة على نوع بُعد في المسافة، وتأكيد الوعد. ﴿آو آتيكم بشهابٍ قبَسٍ﴾ أي : شعلة نار مقبوسة، أي مأخوذة. ومن نوّن فبدل، أو صفة، وعلى القراءتين فالمراد : تعيين المقصود الذي هو القبس، الجامع لمنفعتي الضياء والاصطلاء ؛ لأن من النار ما ليس بقبس، كالجمرة. وكلتا العِدتين منه عليه السلام بطريق الظن، كما يُفصح عن ذلك ما في سورة طه، من صيغتي الترجي والترديد ؛ لأن الراجي إذا قوي رجاؤه يقول : سأفعل كذا، وسيكون كذا، مع تجويزه التخلف. وأتى بأو ؛ لأنه بنى الرجاء على أنه إن لم يظفر بحاجتيه معاً لم يعدم واحدة منهما، إما هداية الطريق، وإما اقتباس النار، ولم يدر أنه ظافر بحاجته الكبرى، وهي عزّ الدنيا والآخرة.
واختلاف الألفاظ في هاتين السورتين، والقصة واحدة، دليل على نقل الحديث بالمعنى، وجواز النكاح بغير لفظ النكاح والتزويج. قاله النسفي.
﴿لعلكم تَصْطَلُون﴾ ؛ تستدفئون بالنار من البرد إذا أصابكم.
﴿فلما جاءها﴾ أي : النار التي أبصرها ﴿نُودِيَ﴾ من جانب الطور ﴿أن بُورِكَ﴾، على أنّ " أنْ " مفسرة ؛ لما في النداء من معنى القول. أو : بأن بورك، على أنها مصدرية، وقيل : مخففة، ولا ضرر في فُقدان الفصل بـ " لا "، أو قد، أو السين، أو سوف ؛ لأن الدعاء يخالف غيره في كثير من الأحكام، أي : أنه، أي : الأمر والشأن ﴿بُورِكَ﴾ أي : قدّس، أو : جعل فيه البركة والخير، ﴿مَن في النار ومَنْ حولها﴾ أي : من في مكان النار، وهم الملائكة، ﴿ومَنْ حولها﴾ أي : موسى عليه السلام، بإنزال الوحي عليه، الذي فيه خير الدنيا والآخرة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٩٨


الصفحة التالية
Icon