وقال ابن عباس والحسن :(بورك من في النار أي : قُدِّس من في النار، وهو الله تعالى) أي : نوره وسره، الذي قامت به الأشياء، من باب قيام المعاني بالأواني، أو : من قيام أسرار الذات بالأشياء، بمعنى أنه نادى موسى منها وسمع كلامه من جهتها، ثم نزّه - سبحانه - ذاته المقدسة عن الحلول والاتحاد، فقال :﴿وسبحان اللهِ﴾ أي : تنزيهاً له عن الحلول في شيء، وهو ﴿ربّ العالمين﴾.
ثم فسر نداءه، فقال :﴿يا موسى إنه﴾ أي : الأمر والشأن ﴿أنا الله العزيزُ الحكيم﴾ أو : إنه، أي : مكلمك، الله العزيز الحكيم، وهو تمهيد لِما أراد أن يظهر على يديه من المعجزات. ﴿وألقِ عصاك﴾ لتعلم معجزتها، فتأنس بها، وهو عطف على (بُورك) أي : نودي أن بورك وأنْ ألق عصاك. والمعنى : قيل له : بورك من في النار، وقيل له : أَلقِ
١٩٩
عصاك، ﴿فلما رآها تهتزُّ﴾ ؛ تتحرك يميناً وشمالاً، ﴿كأنها جانٌّ﴾ ؛ حية صغيرة ﴿وَلَّى﴾ موسى ﴿مُدْبِراً﴾ أي : أدبر عنها، وجعلها تلي ظهره، خوفاً من وثوب الحية عليه، ﴿ولم يُعقِّبْ﴾ ؛ لم يرجع على عقبيه، من : عقّب المقاتل : إذا كرّ بعد الفر. والخوف من الشيء المكروه أمر طبيعي، لا يتخلف، وليس في طوق البشر.