قال له تعالى :﴿يا موسى لا تخفْ﴾ من غيري، ثقة بي، أو : لا تخف مطلقاً ﴿إني لايخاف لَدَيَّ المرسلون﴾ أي : لا يخاف المرسلون عند خطابي إياهم، فإنهم مستغرقون في شهود الحق، لا يخطر ببالهم خوف ولا غيره. وأما في غير أحوال الوحي ؛ فهم أشد الناس خوفاً منه سبحانه، أو : لا يخافون من غيري، لأنهم لديَّ في حفظي ورعايتي. ﴿إلا من ظَلَمَ﴾ أي : لكن من ظلَم مِن غيرهم ؛ لأن الأنبياء لا يَظلمون قط، فهو استثناء منقطع، استدرك به ما عسى يختلج في العقل، من نفي الخوف عن كلهم، مع أن منهم من فرطت منه صغيرة مما يجوز صدوره عن الأنبياء - عليهم السلام - كما فرط من آدم، وموسى، وداود، وسليمان - عليهم السلام - فحسنات الأبرار سيئات المقربين. وقد قصد به التعريض بما وقع من موسى - عليه السلام - ومن وكزه القبطيّ. وسماها ظلماً، كقوله عليه السلام في سورة القصص :﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ﴾ [القصص : ١٦].
قال في الحاشية الفاسية : والظاهر في الاستثناء كونه متصلاً، وأطلق الظلم باعتبار منصب النبوة، وإشفاقهم مما لا يشفق منه غيرهم، كما اتفق لموسى في مدافعة القبطي عن الإسرائيلي، مع أن إغاثة المظلوم مشروعة عموماً، ولكن لَمَّا لم يُؤذَن له خصوصاً عُد ذلك ظلماً وذنباً. وأما ما سرى من القتل فلم يقصده، وإنما اتفق من غير قصد. هـ.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٩٨
قوله :﴿ثم بدّلَ حُسْناً بعد سُوءٍ﴾ أي : أتبع زلته حسنة محلها، كالتوبة وشبهها، ﴿فإني غفور رحيمٌ﴾ أقبل توبته، وأغفر حوبته، وأرحمه، فأحقق أمنيَّته. والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon