وقال أيضاً في قوله :﴿عُلِّمنا منطقَ الطير﴾ : أفْهَم أن أصوات الطيور والوحوش وحركات الأكوان جميعاً هي خطابات من الله عز وجل للأنبياء والمرسلين، والعارفين والصديقين، يفهمونها من حيث أحوالهم ومقاماتهم. فللأنبياء والمرسلين علم بمناطقها قطعياً. ويمكن أن يقع ذلك بوحي، لكن أكثر فهوم الأنبياء أنهم يفهمون من أصواتها ما يتعلق بحالهم، بما يقع في قلوبهم من إلهام الله، لا بأنهم يعرفون لغاتهم بعينها. هـ. قلت : وكذلك الأولياء يفهمون عنها ما يليق بمقاماتهم، من ألفاظ، أو أنس، أو إعلام، أو غير ذلك. والله تعالى أعلم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٠٢
قلت :﴿قالت نملة﴾ : التاء للوحدة، لا للتأنيث. قال الرضي : تكون التاء للفرق بين المذكر والمؤنث، وتكون لآحاد الجنس، كنحلة ونحل، وثمرة وثمر، وبطة وبط، ونملة ونمل، فيجوز أن تكون النملة مذكراً، والتاء للوحدة، وأنث الفعل باعتبار تأنيث اللفظ. هـ. مختصراً. و(لا يحطمنكم) : يحتمل أن يكون جواباً للأمر، أو : نهياً بدلاً من الأمر ؛ لتقارب المعنى ؛ لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده. والضد ينشأ عنه الحطْم، فلا : ناهية، ومثله الحديث :" فليُمسك بِنَصَالها، لا يعقر مسلماً " هـ.
يقول الحق جل جلاله :﴿وحُشِرَ لسليمانَ﴾ أي : جُمع له ﴿جنودُهُ من الجنِ والإِنس والطيرِ﴾ بمباشرة مخاطبيه، فإنهم رؤساء مملكته، وعظماء دولته، من الثقلين وغيرهم. وتقديم الجن على الإنس للإيذان بكمال قوة ملكه وعزة سلطانه ؛ لأن الجن طائفة عاتية، وقبيلة طاغية، ماردة، بعيدة من الحشر والتسخير، ﴿فهم يُوزَعون﴾ أي : يحبس أوائلهم على أواخرهم، أي : يوقف سلاف العسكر حتى يلحقهم الثواني، فيكونوا مجتمعين، لا يختلف منهم أحد، وذلك لكثرة العظمة والقهرية.