﴿حتى إذا أتوا على وادِ النمل﴾ أي : فساروا حتى بلغوا وداي النمل، وهو واد بالشام، كثير النمل، قاله مقاتل. أو : بالطائف، قاله كعب. وقيل : هو واد يسكنه الجن، والنمل مراكبهم. وعدي الفعل بـ " على " ؛ لأن إتيانهم كان من فوق، فأتى بحرف الاستعلاء. ولعلهم أرادوا أن ينزلوا بأعلى الوادي ؛ إذ حينئذٍ يخافهم من في الأرض، لا عند سيرهم في الهواء. وجواب (إذ) قوله :﴿قالت نملة﴾، وكأنها لما رأتهم متوجهين إلى الوادي فرّت منهم، فصاحت صيحة، فنبهت بها ما بحضرتها من النمل.
قال كعب : مرّ سليمان عليه السلام بوادي السدير، من أودية الطائف، فأتى على واد النمل، فقالت نملة، وهي تمشي، وكانت عرجاء تتكاوس، مثل الذئب في العِظَم. قال الضحاك : كان اسم تلك النملة طاحية، وقيل : منذرة، وقيل : جرمي. وقال نوف الحميري : كان نمل وادي سليمان أمثال الذباب. وعن قتادة : أنه دخل الكوفة، فالتف عليه الناس، فقال : سلوني عما شئتم، فسأله أبو حنيفة، وهو شاب، عن نملة سليمان، أكان ذكراً أو أنثى ؟ فأفحم، فقال أبو حنيفة : كانت أنثى، فقيل له : بم عرفت ؟ فقال : قوله تعالى :﴿قالت نملة﴾ ولو كان ذكراً لقال : قال نملة. هـ. قلت : وهو غير صحيح لِمَا تقدم عن الرضي.
﴿قالت نملةٌ يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم﴾ لم يقل : ادخلن ؛ لأنه لَمَّا جعلها قائلة، والنمل مقولاً لهم، كما يكون من العقلاء، أجرى خطابهن مجرى ذوي العقل،
٢٠٦
﴿لا يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ ؛ لا يكسرنّكم. والحطم : الكسر، وهو في الظاهر نهى لسليمان عن الحطم، وفي الحقيقة نهى لهم عن البروز والوقوف على طريقه، نحو : لا أرينك ها هنا، أي : لا تتعرضوا فيكسرنكم ﴿سليمانُ وجنودُه﴾، وقيل : أراد : لا يحطمنكم جنود سليمان، فجاء بما هو أبلغ. ﴿وهم لا يشعرون﴾ لا يعلمون بمكانكم، أي : لو شعروا ما فعلوا. قالت ذلك على وجه العذر، واصفةً سليمان وجنوده بالعدل، فحمل الريح قولها إلى سليمان على ثلاثة أميال.


الصفحة التالية
Icon