جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٠٥
رُوي أن سليمان قال لها : لم حذرت النمل، أَخفتِ ظلمي ؟ أما عَلِمتِ أني نبي عدل، فلِمَ قُلتِ :﴿لا يحطمنكم سليمان وجنوده﴾ ؟ فقالت : أما سمعتَ قولي :﴿وهم لا يشعرون﴾، مع أني لم أُرد حَطْم النفوس، وإنما أردت حطم القلوب، خشيتُ أن يتمنينَّ ما أُعطيتَ، ويشغلن بالنظر إليك عن التسبيح، فقال لها سليمان : عظيني، فقالت : هل علمتِ لِمَ سُمي أبوك داود ؟ قال : لا، قالت : لأنه داوى جرحَه. هل تدري لِمَ سميت سليمان ؟ قال : لا، قالت : لأنك سليم، ما ركنت إلى ما أوتيت، لسلامة صدرك، وأنَى لك أن تلحق أباك. ثم قالت : اتدري لِمَ سخر الله لك الريح ؟ قال : لا، قالت : أخبرك الله أن الدنيا كلها ريح. قال ابن عباس : ومن هنا " نهى النبي ﷺ عن قتل أربعة من الدواب : الهدهد، والصُّرد، والنحلة، والنملة ". ﴿فتبسم ضاحكاً﴾، معجباً ﴿من قولها﴾ ومِن حَذَرِها، واهتدائها لمصالحها، ونُصحها للنمل، وفرحاً بظهور عدله. والتبسم : ابتداء الضحك، وأكثر الضحك الأنبياء التبسّم، أي : فتبسم ابتداء، ضاحكاً انتهاء. ﴿وقال ربِّ أوزعني﴾، الإيزاع في الأصل : الكف، أي : كُفَّني عن كل شيء إلا عن شكر نعمتك، ويطلق على الإلهام، أي : ألهمني ﴿أن أشكرَ نعمتك التي أنعمتَ عليَّ﴾ من النبوة والمُلك والعلم، ﴿وعلى والديَّ﴾ ؛ لأن الإنعام على الوالدين إنعام على الولد، ﴿و﴾ ألهمني ﴿أن أعمل صالحاً ترضاه﴾ في بقية عمري، ﴿وأدخِلْني برحمتك﴾ أي : وأدخلني الجنة برحمتك، لا بصالح عملي ؛ إذ لا يدخل الجنة إلا برحمتك كما في الحديث. ﴿في عبادك الصالحين﴾ أي : في جملة أنبيائك المرسلين، الذين صلحوا لحضرتك. أو : مع عبادك الصالحين. رُوي أن النملة أحست بصوت الجنود، ولم تعلم أنهم في الهواء فأمر سليمان عليه السلام الريح، فوقفت ؛ لئلا يذعرن، حتى دخلن مساكنهن، ثم دعا بالدعوة. قاله النسفي.