الإشارة : من أقبل بكليته على مولاه، وأطاعه في كل شيء، سخرت له الأكوان، وأطاعته في كل شيء. ومن أعرض عن مولاه أعرض عنه كلُّ شيء، وصعب عليه كلُّ
٢٠٧
شيء. " أنت مع الأكوان ما لم تشهد المكون، فإذا شهدته كانت الأكوانُ معك ". فإذا سخرت له الأشياء، وزهد فيها، وأعرض عنها، واختار مقام العبودية، ارتفع قدره، ولم ينقص منه شيئاً، كحال نبينا - عليه السلام -. ومن سخرت له الأشياء، ونظر إليها، انتقص قدره، وإن كان كريماً على الله، ولذلك ورد في الخبر أن سليمان عليه السلام : هو آخر من يدخل الجنة من الأنبياء. ذكره في القوت.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٠٥
وذكر فيه أيضاً : أن سليمان عليه السلام لَبِسَ ذات يوماً ثياباً رفيعة، ثم ركب على سريره، فحملته الريح، وسارت به، فنظر إلى عطفيه نظرة، فأنزلته إلى الأرض، فقال لها : لِمَ أنزلتني ولَمْ آمرك ؟ فقالت له : نطعيك إذا أطعت الله، ونعصيك إذا عصيته. فاستغفر وتاب، فحملته. وهذا مما يعتب علىالمقربين ؛ لِكِبر مقامهم، فكل نعيم في الدنيا ينقص في الآخرة. والله تعالى أعلم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٠٥
يقول الحق جل جلاله :﴿وتفقَّدَ﴾ سليمانُ ﴿الطيرَ﴾ أي : تعرف أحوال الطير تعرف َالمَلِك لمملكته، حسبما تقتضيه عناية الملك بمملكته، والاهتمام بكل جزء منها، أو : تفقده لمعرفته بالماء، أو لغير ذلك على ما يأتي. فلما تفقده لم ير الهدهد فيما بينها. والتفقد : طلب ما غاب عنك. ﴿فقال ماليَ لا أرى الهدهد﴾ أساتر ستره ؟ ﴿أم كان من الغائبين﴾، و " أم " : بمعنى " بل ". كأنه قال : ما لي لا أراه ؟ ثم بدا له أنه غائب، فأضرب عنه، وقال : بل هو من الغائبين.


الصفحة التالية
Icon