قال تعالى :﴿فَمَكَثَ غيرَ بعيدٍ﴾ أي : تفقد مكث سليمان حين تفقد الهدهد، وأرسل من ورائه غير زمان بعيد، وهو من الظهر إلى العصر - كما تقدم - أو : فمكث الهدهد في غيبته غير بعيد، خوفاً من سليمان، فالضمير إما لسليمان، أو : للهدهد، وهو الظاهر، ويرجحه قراءة :(فتمكث). وفي " مكث " لغتان : الضم والفتح.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٠٨
ولما قدِمَ من غيبته، أحضر بين يديه، على الهيئة المتقدمة، ثم سأله عن غيبته، ﴿فقال أَحطتُ بما لم تُحِطْ به﴾ أي : أدركت علماً لم تُحط به أنت، أَلهم الله الهدهدَ فكافح سليمانَ بهذا الكلام، مع ما أوتي من فضل النبوة والعلوم الجمة، ابتلاء له عليه السلام في علمه، وتنبيهاً على أن في أدنى خلقه، اضعفهم من أحاطه الله علماً بما لم يُحط به ؛ لتتصاغر إليه نفسه، ويصغر في عينه وعلمه، في جانب علم الله، رحمة به ولُطفاً في ترك الإعجاب، الذي هو فتنة العلماء. ثم قال :﴿وجئتك من سبأ﴾ - بالصرف - اسماً للحيّ، أو : للأب الأكبر، وبعدمه اسماً للقبيلة. ﴿بنبأٍ يقين﴾، والنبأ : الخبر الذي له شأن. وقوله :﴿من سبأ بنبإٍ﴾ من محاسن الكلام ويسمى البديع. وقد حسن وبرع لفظاً ومعنىً، حيث فسر إبهامه بأبدع تفسير، وأراه أنه كان بصدد إقامة خدمة مهمة. وعبّر عما جاء به بالنبأ، الذي هو الخبر الخطير والشأن الكبير، ووصفه بما وصفه به. ﴿وإني وجدتُ امرأةَ تملكهم﴾ ؛ هو استئناف لبيان ما جاء به من النبأ، وتفسير له إثر الإجمال. وهي بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن ريان. وكان أبوها ملك أرض اليمن كلها، ورث الملك من أربعين أباً. وقيل : كان أبوها - اسمه الهدهاد - ملكاً عظيم الشأن، ملك أرض اليمن كلها، وأبى أن يتزوج منهم، فزوجوه امرأة من الجن، يقال لها " ريحانة " فولدت له بلقيس، ولم يكن له ولد غيرها.
قال أبو هريرة : قال النبي ﷺ :" كان أحد أبوي بلقيس جنياً " فمات أبوها،
٢١٠