فاختلف قومه فرقتين، وملّكوا أمرهم رجلاً قائماً بسيرته، حتى فجَر بحرم رعيته، فأدركت بلقيس الغيرة، فعرضت عليه نفسها، فتزوجته، فسقته الخمر، فسكر، فجزت رأسه، ونصبته على باب دارها فملكوها.
﴿وأُوتِيَتْ من كل شيءٍ﴾ تحتاج إليه الملوك، من العدة والآلة، ﴿ولها عرشٌ عظيم﴾ : كبير، قيل : كان ثلاثين ذراعاً في ثلاثين عرضاً، وقيل : كان ثمانين ذراعاً في ثمانين، وطوله في الهواء : ثمانون. وكان من ذهب وفضة، مرصعاً بأنواع الجواهر، وقوائمه من ياقوت أحمر وأخضر، ودرّ، وزبرجد، وعليه سبعة أبيات، في كل بيت باب مغلق. واستصغر الهدهد حالها إلى حال سليمان، فلذلك عظّم عرشها. وقد أخفى الله تعالى ذلك على سليمان ؛ لحكمة، كما أخفى مكان يوسف على يعقوب، ليتحقق ضعف العبودية في جانب علم الربوبية.
وكانت بلقيس مجوسية، فلذلك قال :﴿وجدتُها وقومَها يسجدون للشمس من دون الله﴾ أي : يعبدونها متجاوزين عبادة الله. ﴿وزيَّن لهم الشيطانُ أعمالهم﴾ التي هي عبادة الشمس، ونظائرها من أصناف الكفر والمعاصي، ﴿فصدَّهم عن السبيل﴾ ؛ عن سبيل الرشد والصواب، وهو التوحيد ﴿فهم لا يهتدون﴾ إليه. ولا يَبْعد من الهدهد التهدّي إلى معرفة الله، ووجوب السجود له، وحرمة السجود للشمس، إلهاماً من الله له، كما ألهمه وغيره من الطيور وسائر الحيوانات والمعارف اللطيفة، التي لا يكاد العقلاء، الراجحة العقول، يهتدون إليها. وهذا من أسرارالربوبية، التي سرت في الأشياء، فوحّدَت الله تعالى، ولهجت بحمده.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٠٨


الصفحة التالية
Icon