ومضمونه والمكتوب فيه :﴿إنه من سليمانَ وإنه بسم الله الرحمن الرحيم﴾، وهذا تبيين لما أُلقي إليها، كأنها لما قالت :﴿أُلقي إليّ كتاب كريم﴾ قيل لها : ممن هو وما هو ؟ فقالت :﴿إنه من سليمانَ وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلُوا عليَّ﴾، " إن " : مفسرة، أي : لا تترفعوا عليّ ولا تتكبروا، كما يفعل جبابرة الملوك، ﴿وأْتُوني مسلمين﴾ : مؤمنين، أو : منقادين، وليس فيه الأمر بالإسلام. وقيل : إقامة الحجة على رسالته ؛ لأن إلقاء الكتاب على تلك الصفة معجزة باهرة.
﴿قالت يا أيها الملاُ﴾، كررت حكاية قولها إيذاناً بغاية اعتنائها بما في حيزه :﴿أفتُوني في أمري﴾ أي : أجيبوني في أمري، الذي حزبني وذكرتُه لكم، وعبّرت عن الجواب بالفتوى، الذي هو الجواب عن الحوادث المشكلة غالباً ؛ تهويلاً للأمر، ورفعاً لمحلهم، بالإشعار بأنهم قادرون على حل المشكلات الملمة. ثم قالت :﴿ما كنتُ قاطعةً أمراً﴾ من الأمور المتعلقة بالمملكة ﴿حتى تََشهدُونِ﴾ بكسر النون، ولا يصح الفتح ؛ لأنه يُحذف للناصب. وأصله : تشهدونني، فحذفت الأولى للناصب وبقي نون الوقاية، أي : تحضروني، وتشهدوا أنه على صواب، أي : لا أقطع أمراً إلا بمحضركم. وقيل : كان أهل مشورتها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، كل واحد على عشرة آلاف.
﴿قالوا﴾ في جوابها :﴿نحنُ أولو قوةٍ وأولو بأس شديد﴾ أي : نجدة وشجاعة، فأرادوا بالقوة : قوة الأجساد والآلات، وبالبأس : النجدة والبلاء في الحرب. ﴿والأمرُ إليك﴾ أي : هو موكل إليك ﴿فانظري ماذا تأمرين﴾، فنحن مطيعون إليك، فمُرينا بأمرك، نمتثل أمرك، ولا نخالفك. كأنهم أشاروا عليها بالقتال، أو أرادوا : من أبناء الحرب، لا من أبناء الرأي والمشهورة، وأنت ذات الرأي والتدبير، فانظري ماذا تأمرين نتبع رأيك.
٢١٣