فلما أحسنت منهم الميلَ إلى المحاربة مالتْ إلى المصالحة، فزيفت رأيهم، حيث ﴿قالت إنَّ الملوك إِذا دخلوا قريةً﴾ على منهاج المقاتلة والحرب، أو عنوة وقهراً ﴿أفسدوها﴾ بتخريب عمارتها، وإتلاف ما فيها من الأموال، ﴿وجعلوا أَعِزَّةَ أهلها أذلةً﴾ بالقتل والاسر والإجلاء، وغير ذلك من فنون الإهانة ؛ ليستقيم لهم مُلْكُهم وحدهم. ثم قالت :﴿وكذلك يفعلون﴾ أي : وهذه عادتهم المستمرة التي لاتتغير، لأنها كانت في بيت المملكة قديماً، أباً عن أب، فجربت الأمور، أو : يكون من قول الله تعالى، تصديقاً لقولها، أي : قال الله تعالى : وكذلك شأن الملوك إذا غلبوا وقهروا أفسدوا. وأنشدوا في هذا المعنى :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢١٢
إِنَّ الْمُلُوكَ بَلاَءٌ حَيثُمَا حَلُّوا
فَلاَ يَكُن بكَ فِي أَكْنَافِهِمْ ظلُّ
مَاذَا يُؤمَّل مِن قَوْمٍ إِذَا غَضِبُوا
جَارُوا عَلَيْكَ وَإِن أَرْضَيْتهمُ مَلوا
وَإِن صدقتهم خالوك تخدعهم
واستثقلُوكَ كَمَا يُسْتَثْقَلُ الكُلّ
فَاسْتَغْنِ بالله عن أبْوابِهِمْ أبداً
إِنَّ الْوُقُوفَ عَلَى أَبْوَابِهِم ذُلُّ
ففي صحبة الملوك خطير كبير، وتعب عظيم، فمن قوي نوره، حتى يغلب على ظلمتهم، بحيث يتصرف فيهم، ولا يتصرفون فيه، فلا بأس بمعرفتهم، إن كان فيه نفع للناس بالشفاعة والنصيحة، وقد أقيم في هذا المقام الشيخ أبو حسن الشاذلي، وشيخ شيخنا مولاي العربي الدرقاوي - رضي الله عنهما - وكان تلميذاهما الشيخ أبو العباس المرسي، وشيخنا سيدي محمد البوزيدي الحسني - رضي الله عنهما - يفران من صحبتهم، أشد الفرار وهو أسلم. والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon