﴿قال﴾ صالح عليه السلام :﴿طائِرُكُم عند الله﴾ أي : سببكم الذي به ينالكم ما ينالكم من الخير والشر عند الله، وهو قدره وقضاؤه، أو : عملكم مكتوب عند الله، فمنه نزل بكم ما نزل، عقوبة لكم وفتنة. ومنه :﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ [الإسراء : ١٣] أي : ألزمناه جزاء عمله، أو : ما قدر له في عنقه، وأصله : أن المسافر كان إذا مرّ بطائر يزجره، فإن مر إلى جهة اليمين تيمن، وإن مر إلى ناحية الشمال تشاءم، فلما نسبوا الخير والشر إلى الطائر استعير لما كان سببهما من قدر الله وقسمته، أو : من عمل العبد الذي هو السبب في الرحمة والنقمة، ﴿بل أنتم قوم تُفتَنون﴾ : تختبرون بتعاقب السراء والضراء، أو : تعذبون، أو : يفتنكم الشيطان بوسوسته إليكم الطيرة. قال - عليه الصلاة والسلام - :" لا عدوى ولا طِيَرة " وقال أيضاً :" إذا تطيرت فلا ترجع " والله تعالى أعلم.
٢٢١
الإشارة : سَير أهل التربية مع أهل زمانهم كسير الأنبياء مع أممهم، إذا بعثهم الله إلى أهل زمانهم اختصموا فيهم، ففريق يصدق وفريق يكذب، فيطلبون الكرامة والبرهان، ويتطيرون بهم وبمن تبعهم، إن ظهرت بهم قهرية من عند الله، كما رأينا ذلك كله. وبالله التوفيق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٢٠
يقول الحق جل جلاله :﴿وكان في المدينة﴾ ؛ مدينة ثمود وهي الحجر، ﴿تسعةُ رَهْطٍ﴾ أي : أشخاص، وهو جمع لا واحد له، فلذا جاز تمييز التسعة به، فكأنه قيل : تسعة أنفس، وهو من الثلاثة إلى العشرة، وكان رئيسهم " قدار بن سالف " وهم الذين سعوا في عقر الناقة، وكانوا أبناءَ أشرافهم ومن عتاتهم، ﴿يُفسدون في الأرض﴾ أي : في المدينة، إفساداً لا يخالطه شيء من الصلاح أصلاً، ﴿ولا يُصلِحُون﴾ يعني إن شأنهم الإفساد المحض، الذي لا صلاح معه. وعن الحسن : يظلمون الناس، ولا يمنعون الظالمين عن الظلم. وعن ابن عطاء : يتبعون معايب الناس، ولا يسترون عوراتهم.