الإشارة : العلم بالآخرة يَقْوى بقوة العلم بالله، فكلما قوي اليقين في جانب الله قوي اليقين في جانب ما وعد الله به ؛ من الأمور الغيبية، فأهل العلم بالله الحقيقي أمور الآخرة عندهم نُصب أعينهم، واقعة في نظرهم ؛ لقوة يقينهم. وانظر إلى قول حارثة رضي الله عنه حين قال له النبي ﷺ :" ما حقيقة إيمانك ؟ " فقال : يا رسول الله ؛ عزَفَتُ الدنيا من قلبي، فاستوى عندي وذهبا ومدرها. ثم قال : وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وأهل النار يتعاوون فيها، فقال له ﷺ :" قد عرفت فالزمْ، عبدٌ نوّر الله قلبَه " اللهم نَوِّر قلوبنا بأنوار معرفتك الكاملة، حتى نلقاك على عين اليقين وحق اليقين. آمين.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٣١
يقول الحق جل جلاله :﴿قُلْ﴾ لهم :﴿سيروا في الأرض فانظر كيف كانت عاقبةُ المجرمين﴾ بسبب تكذيبهم للرسل - عليهم السلام - فيما دعوهم إليه من الإيمان بالله - عز وجل - وحده، واليوم الآخر، الذي ينكرونه، فإن في مشاهدة عاقبتهم ما فيه كفاية لأولي البصائر. وفي التعبير عن المكذبين بالمجرمين، لطف بالمسلمين، بترك الجرائم، وحث لهم على الفرار منها، كقوله :﴿فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ﴾ [الشمس : ١٤] و ﴿مِّمَّا خَطِيائَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ﴾ [نوح : ٢٥].
ثم قال لنبيه ﷺ :﴿ولا تحزنْ عليهم﴾ أي : لأجل أنهم لم يتبعوك، ولم يُسْلِموا فَيَسْلَمُوا. ﴿ولا تكن في ضَيْقٍ﴾ ؛ في حرج صدر ﴿مما يمكرون﴾ ؛ من مكرهم وكيدهم، أي : فإن الله يعصمك من الناس. يقال : ضاق ضيقاً - بالفتح والكسر.
﴿ويقولون متى هذا الوعدُ﴾ أي : وعد العذاب التي تعدنا، إن كنت من الصادقين في إخبارك بإتيانه على من كذّب. والجملة باعتبار شركة المؤمنين في الإخبار بذلك. ﴿قل عسى أن يكون رَدِفَ لكم بعضُ الذي تستعجلون﴾ أي : تبعكم ولحقكم. استعجلوا
٢٣٢