العذاب، فقيل لهم : عسى أن يكون رَدِفَ، أي : قرب لكم بعضه. وهو عذاب يوم بدر، واللام زائدة للتأكيد. أو : ضمّن الفعل معنى يتعدّى باللام، نحو : دنا لكم، أو : أزف لكم. وعسى ولعل وسوف، في وعد الملوك ووعيدهم، يدل على صدق الأمر، وجدّه، وعلى ذلك جرى وعد الله، ووعيده.
﴿وإن ربك لذُو فضلٍ على الناس﴾ أي : إفضال وإنعام على كافة الناس. ومن جملة إنعامه : تأخير العقوبة عن هؤلاء، بعد استعجالهم لها، ﴿ولكنَّ أكثرهم لا يشكرون﴾ أي : أكثرهم لا يعرفون حق النعمة، ولا يشكرونها، فيستعجلون بجهلهم وقوع العذاب، كدأب هؤلاء. والله تعالى أعلم.
الإشارة : التفكر والاعتبار من أفضل عبادة الأبرار، ساعة منه أفضل من عبادة سبعين سنة. ومن أجلّ ما يتفكر فيه الإنسان : ما جرى على أهل الغفلة والبطالة والعصيان، من تجرع كأس الحِمام، قبل النزوع والإقلاع عن الإجرام، فندموا حيث لم ينفع الندم، وقد زلَّت بهم القدم، فلا ما كانوا أمَّلوا أدركوا، ولا إلى ما فاتهم من الأعمال الصالحات رجعوا. فليعتبر الإنسان بحالتهم، لئلا يجري عليه ما جرى عليهم، وليبادر بالتوبة إلى ربه، وليشهد يده على أوقات عمره، قبل أن تنقضي في البطالة والتقصير، فيمضي عمره سبهللاً. ولله در القائل :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٣٢
السِّبَاق السِّبَاقَ قَوْلاً وَفِعْلاً
حَذِّرِ النَّفْسَ حَسْرةً المسْبُوقِ
قال أبو على الدقاق رضي الله عنه : رؤي بعضهم مجتهداً، فقيل له في ذلك، فقال : ومن أولى مني بالجهد، وأنا أطمع أن ألحق الأبرار الكبار من السلف. هـ. ويقال للواعظ أو للعارف، إذا رأى إدبار الناس عن الله، وإقبالهم على الهوى :﴿ولا تحزن عليهم..﴾ الآية.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٣٢