يقول الحق جل جلاله :﴿وإذا وقع القولُ عليهم﴾ أي : وقع مصداق القول الناطق بمجيء الساعة، بأن قَرُب إتيانها، وظهرت أشراطها، فأراد بالوقوع : دنوه واقترابه، كقوله :﴿أَتَىَا أَمْرُ اللهِ...﴾ [النحل : ١] رُوي أن ذلك حين ينقطع الخير، ولا يُؤمر بمعروف ولا يُنهى عن منكر، ولا يبقى منيب ولا تائب. و " وقع " : عبارة عن الثبوت واللزوم، وهذا بمنزلة :﴿حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ﴾ [الزمر : ١٩] أي : وإذا انتجز وعد عذابهم التي تضمنه القول الأزلي، وأراد أن ينفذ في الكافرين سابق علمه لهم من العذاب، أخرج لهم دابة من الأرض. وفي الحديث :" إن الدابة، وطلوع الشمس من المغرب، من أول الأشراط ". فلا ينبغي لهؤلاء الكفرة ترك الإيمان حيث ينفعهم، ويتطلبون وقوع الساعة الموعود بها، التي لا ينفع الإيمان لمن لم يكن آمن، مع ظهور مقدماتها، فضلاً عنها. فإذا وقع الوعد وَسَمَت الدابة مَن لم يؤمن بِسمة الكفر، وكان ذلك طبعاً وختماً، فلا يقبل منه إيمان، ويقال له : أيها الكافر لم تؤمن بالآيات غيباً، فلا يقبل منك بعد رؤيتها عيناً وهذا معنى قوله :﴿أخرجنا لهم دابةً من الأرض﴾، وهي الجساسة، طولها ستون ذراعاً، لا يدركها طالبٌ، ولا يفوتها هاربٌ، لها أربع قوائم، وزغب، وريش، وجناحان. وقيل : لها رأس ثور، وعين خنزير، وأذن فيل، وقرن أيّل، وعنق نعامة، وصدر أسد، ولون نمر، وخاصرة هرّة، وذنب كبش، وخف بعير، وما بين المفصلين اثنا عشر ذراعاً، تخرج من الصفا فتكلّمهم بالعربية، فتقول ﴿أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون﴾ أي : بخروجي ؛ لأن خروجها من الآيات، وتقول : ألا لعنة الله على الظالمين.
وفي حديث حذيفة رضي الله عنه :" تأتي الدابة المؤمن، فتُسلم عليه، وتأتي الكافر
٢٣٦