يقول الحق جل جلاله :﴿و﴾ اذكر ﴿يوم نحشُرُ من كل إمةٍ فوجاً﴾، الفوج، الجماعة الكثيرة. و " مِنْ " : للتبعيض، أي : واذكر يوم نجمع من كل أمة من أمم الأنبياء جماعة كثيرة ﴿ممن يُكَذِبُ بآياتنا﴾، " مِن " : لبيان الفوج، أي : فوجاً مكذبين بآياتنا، المنزلة على أنبيائنا، ﴿فهم يُوزَعُون﴾ : يُحبس أولهم على آخرهم، حتى يجتمعوا، حين يُساقون إلى موضع الحساب. وهذه عبارة عن كثرة العدد، وتباعد أطرافهم، والمراد بهذا الحشر : الحشر للعذاب، والتوبيخ والمناقشة، بعد الحشر الكلي، الشامل لكافة الخلق.
وعن ابن عباس :(المراد بهذا الفوج : أبو جهل، والوليد بن المغيرة، وشيبة بن ربيعة، يُساقون بين يدي أهل مكة) وهكذا يُحشر قادة سائر الأمم بين أيديهم إلى النار.
﴿حتى إِذا جاؤوا﴾ إلى موقف السؤال والجواب، والمناقشة والحساب، ﴿قال﴾ أي : الله عز وجل، موبخاً لهم على التكذيب :﴿أَكَذَّبتم بآياتي﴾ المنزلة على رسلي، الناطقة بلقاء يومكم، ﴿و﴾ الحال أنكم ﴿لم تُحيطوا بها علماً﴾ أي : أكذبتم بها في بادئ الرأي، من غير فكر، ولا نظر، يؤدي إلى إحاطة العلم بكنهها، وأنها حقيقة بالتصديق حتماً. وهذا نص في أن المراد بالآيات في الموضعين هي الآيات القرآنية. وقيل : هو عطف على " كذبتم "، أي : أجمعتم بين التكذيب وعدم التدبر فيها. ﴿أم ماذا كنتم تعملون﴾ ؟ حيث لم تتفكروا فيها، فإنكم لم تُخلقوا عبثاً. أو : أيُّ شيء كنتم تعملون، استفهام، على معنى استبعاد الحجج، أي : إن كانت لكم حجة وعمل فهاتوا ذلك. وخطابهم بهذا تبكيت لهم. ثم يُكبون في النار، وذلك قوله تعالى :﴿ووقع القولُ عليهم﴾ أي : حلَّ بهم العذاب، الذي هو مدلول القول الناطق بحلوله ونزوله، ﴿بما ظَلموا﴾ : بسبب ظلمهم، الذي هو تكذيبهم بآيات الله ﴿فهم لا ينطقون﴾ ؛ لانقطاعهم عن الجواب بالكلية، وابتلائهم بشغل شاغل من العذاب الأليم، يشغلهم العذاب عن النطق والاعتذار.