قوله تعالى :﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىا فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ﴾ [الزمر : ٦٨] ". قال أبو السعود : والذي يستدعيه النظم الكريم أن المراد بالنفخ ها هنا : النفخة الثانية، وفي الفزع في قوله تعالى :﴿ففزع من في السماوات ومن في الأرض﴾ ما يعتري الكل عند البعث والنشور، بمشاهدة الأمور الهائلة، الخارقة للعادات في الأنفس والآفاق، من الرعب والتهيب، الضروريين، الجبلين في كل نفس. وإيراد صيغة الماضي مع كون المعطوف عليه مضارعاً ؛ للدلالة على تحقيق وقوعه. هـ. وظاهره أن النفخ مرتان فقط، واعتمده القرطبي وغيره، وصحح ابن عطية أنها ثلاث، ورُوي ذلك عن أبي هريرة : نفخة الفزع ؛ وهي فزع حياة الدنيا، وليس بالفزع الأكبر، ونفخة الصعق، ونفخة القيام من القبور.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٣٩
وقوله :﴿إلا من شاء الله﴾ أي : ألاَّ يفزع، وهو من ثبّت الله قلبه، فإن قلنا : المراد بها النفخة الثانية، فالمستثنى : هم من سبقت لهم الحسنى، بدليل قوله :﴿لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ﴾ [الأنبياء : ١٠٣] وإن قلنا : هي نفخة الصعق، فالمستثنى : قيل : هم جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وعزرائيل، لكن يموتون بعد صعق الخلق. وقيل : الحور وحَملةُ العرش، وإن قلنا : المراد نفخة الفزع في الدنيا، فالمستثنى : أرواح الأنبياء والأولياء والشهداء والملائكة.
ثم قال تعالى :﴿وكلٌّ أَتَوْهُ﴾ بصيغة الماضي، أي : وكل واحد من المبعوثين عند النفخة حضروه في موقف الحساب، بين يدي الله جل جلاله، والسؤال والجواب : أو : وكل حاضروه، على قراءة إسم الفاعل، وأصله : آتيوه، حال كونهم ﴿داخرين﴾ : صاغرين أذلاء.