وقال ابن جريج : حين يُذبح الموت ويُنادى : يا أهل الجنة ؛ خلود لا موت، ويا أهل النار ؛ خلود لا موت. فيكون هؤلاء ﴿من فزع يومئذٍ﴾، أي : يوم إذ ينفخ في الصور وما بعده ﴿آمنون﴾ لا يعتريهم ذلك الفزع الهائل، ولا يلحقهم ضرره أصلاً. وأما الفزع الذي يعتري كل من السموات ومن في الأرض، غير ما استثناه اله تعالى، فإنما هو التهيب والرعب الحاصل في ابتداء النفخة، من معاينة فنون الدواهي والأهوال، ولا يكاد يخلو منه أحد بحكم الجبلة، وإن كان آمناً من لحوق الضرر. قال جميعه أبو السعود.
﴿ومن جاء بالسيئة﴾ قيل : هو الشرك. ﴿فكُبَّتْ وجُوهُهُم في النار﴾، أي : كُبوا فيها
٢٤٢
على وجوههم منكوسين. ويقال لهم :﴿هل تُجزَون إلا ما كنتم تعملون﴾ في الدنيا من الشرك والمعاصي. والله تعالى أعلم.
الإشارة : من أراد أن يكون ممن استثنى الله من الفزع والهول، فليكن قلبه معموراً بالله، ليس فيه غير مولاه، ولا مقصود له في الدارين إلا الله، وظاهره معموراً بطاعة الله، متمسكاً بسنة رسول الله، هواه تابع لِما جاء من عند الله، لا شهوة له إلا ما يقضي عليه مولاه، فبهذا ينخرط في سلك أولياء الله، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والذين سبقت لهم الحسنى، لا يحزنهم الفزع الأكبر، وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون. جعلنا الله من خواصهم، بمنِّه وكرمه آمين.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٣٩
وقوله تعالى :﴿وترى الجبالَ تحسَبها جامدةً...﴾ الآية. كذلك قلوب الراسخين في العلم بالله، لا تؤثر فيهم هواجم الأحوال والواردات الإلهية، بل تهزهم في الباطن، وظواهرهم ساكنة، كالجبال الراسية، قيل للجنيد : قد كنت تتواجدُ عند السماع، والآن لا يتحرك فيك شيء ؟ فتلى :﴿وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب﴾.


الصفحة التالية
Icon