يقول الحق جل جلاله :﴿إِنَّ فرعونَ علا في الأرض﴾، وهو استئناف بياني، وكأن قائلاً قال : وكيف كان نبأهما ؟ فقال : إنه علا في الأرض، أي : تجبّر وطغى في أرض مصر، وجاوز الحد في الظلم والعدوان. أو : علا عن عبادة ربه، وافتخر بنفسه، ونسي العبودية. وفي التعبير بالأرض تبكيت عليه، أي : علا في محل التذلل والانخفاض، ﴿وجعل أهلَها شِيعاً﴾ أي : فرقاً وأصنافاً في الخدمة والتسخير، كلُّ قوم من بني إسرائيل في شغل مفرد. وقيل : مَلَكَ القبط واستعبد بني إسرائيل. أو : فرقاً مختلفة، يُكرم طائفة ويهين أخرى، فأكرم القبط، وأهان بني إسرائيل. ﴿ويستضعفُ طائفةً منهم﴾ وهم بنو إسرائيل، وهو يُرشد إلى كون المراد بقوله :﴿وجعل أهلها﴾ لا يُخَصُّ ببني إسرائيل.
﴿يُذَّبِّحُ أبناءهم﴾ الذكور، ﴿ويستحيي نساءَهم﴾ أي : البنات، يتركهم لخدمته.
وسبب ذبحه للأبناء أن كاهناً قال له : يولد مولود في بني إسرائيل، يذهب ملكك على يده، وفيه دليل على حمق فرعون، فإنه إن صدق الكاهن لم ينفعه القتل ؛ إذ لا ينفع حذر من قدر، وإن كذب فلا معنى للقتل. وجملة :﴿يستضعف﴾ : حال من الضمير في ﴿جعل﴾، أو صفة لشِيع، أو استئناف. ﴿إنه كان من المفسدين﴾، أي : الراسخين في الإفساد، ولذلك اجترأ على تلك العزيمة العظيمة، ومن قتل المعصومين من أولاد الأنبياء - عليهم السلام.
﴿ونريد أن نَمُنَّ﴾ أي : نتفضل ﴿على الذين استُضعفوا في الأرض﴾ على الوجه المذكور بالقتل والتسخير. وهذه الجملة معطوفة على :﴿إن فرعون﴾، أو : حال من ﴿يستضعف﴾، أي : يستضعفهم فرعون ونحن نُريد أن نمنّ عليهم، وإرادة الله تعالى كائنة لا محالة، فَجُعِلَتْ كالمقارنة لاستضعافهم، ﴿ونجعلهم أئمةً﴾ أي : قادة يُقتدى بهم في الخير، أو : دعاة إلى الخير، أو : ولاةً وملوكاً، ﴿ونجعلهم الوارثين﴾ أي : يرثون فرعون وقومه، مُلكهم وكل ما كان لهم.
﴿ونُمكِّن لهم في الأرض﴾ ؛ أرض مصر والشام، يتصرفون فيها كيف شاؤوا،
٢٤٧