وقوله تعالى :﴿ليكون لهم عدواً وحزناً﴾، ما كان التقاط فرعون لموسى إلا للمحبة والفرح، فخرج له عكسه. ومن هذا كان العارفون لا يسكنون إلى الشيء ولا يعتمدون على شيء ؛ لأن العبد قد يخرج له الضرر من حيث النفع، وقد يخرج له النفع من حيث يعتقد الضرر، وقد ينتفع على أيدي الأعداء، وَيُضَرُّ على أيدي الأَحِبَّاءِ، فليكن العبد سلْماً بين يدي سيده، ينظر ما يفعل به. ﴿والله يعلم وأنتم لا تعلمون﴾.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٤٨
يقول الحق جل جلاله :﴿وأصبح﴾ أي : صار :﴿فؤادُ أُمّ موسى فارِغاً﴾ من كل شيء إلا مِن ذكر موسى وهمه، أو : فارغاً : خالياً من العقل ؛ لِمَا دهمها من الجَزَع والحيرة، حين سمعت بوقوعه في يد فرعون، ويؤيده قراءة ابن محيصن :" فزعاً " ؛ بالزاي بلا ألف، أو : فارغاً من الوحي الذي أوحي إليها أن تلقيه في اليم، ناسياً للعهد أن يرده إليها، لما دَهَمَهما من الوجد، وقال لها الشيطان : يا أم موسى كرهتِ أن يقتل فرعون موسى وأغرقته أنتِ. وبلغها أنه وقع في يد فرعون، فعظم البلاء، ﴿إن كادتْ لتُبدِي به﴾ : لتبوح به وتظهر شأنه وأنه وَلدها.
قيل : لما رأت الأمواج تلعب بالتابوت ؛ كادت تصيح وتقول : يا ابناه، وقيل : لما سمعت أن فرعون أخذ التابوت لم تشك أنه يقتله، فكادت تقول : يا ابناه ؛ شفقة عليه. و " أن " مخففة، أي : إنها كادت لتظهره ﴿لولا أن ربطنا على قلبها﴾. والربط : تقويته ؛ بإلهام الصبر والتثبيت، ﴿لتكون من المؤمنين﴾ : من المصدقين بوعدنا، وهو :﴿إنا رادوه إليك﴾. وجواب " لولا " : محذوف، أي : لأبْدته، أو : فارغاً من الهم، حين سمعت أن فرعون تبناه، إن كادت لتُبدي بأنه ولدها ؛ لأنها لم تملك نفسها ؛ فرحاً وسروراً مما
٢٥٠