قلت : المراضع : جمع مُرضِع، ، وهي المرأة التي ترضع، أو : مَرْضَع - بالفتح - : موضع الرضاع، وهو الثدي. و(لا تحزن) : معطوف على (تَقَرَ).
يقول الحق جل جلاله :﴿وحرّمنا عليه المراضِعَ﴾ أي : تحريم منع، لا تحريم شرع، أي : منعناه أن يرضع ثَدْياً غَيْرَ ثدي أمه. وكان لايقبل ثدي مرضع حتى أهمهم ذلك. ﴿من قبلُ﴾ أي : من قبل قَصَصِها أثره، أو : من قبل أن نرده إلى أمه. ﴿فقالت﴾
٢٥١
أخته. وقد دخلت داره بين المراضع، ورأته لا يقبل ثدياً :﴿هل أدُلكم﴾ ؛ أرشدكم ﴿على أهل بيتٍ يكفلونه﴾ ؛ يحفظون موسى ﴿لكم وهم له ناصحون﴾ ؛ لا يقصرون في إرضاعه وتربيته. والنصح : إخلاص العمل من شائبة الفساد. رُوي أنها لما قالت :﴿وهم له ناصحون﴾ ؛ قال هامان : إنها لتعرفه وتعرف أهله، فخذوها حتى تخبر بقصة هذا الغلام، فهو الذي نحدر، فقالت : إنما أردتُ : وهُمْ للملك ناصحون.
فانطلقت إلى أمها بأمرهم، فجاءت بها، والصبي على يد فرعون يُعلله ؛ شفقة عليه، وهو يبكي يطلب الرضاع، فحين وجد ريحها استأنس والتقم ثديها، فقال لها فرعون : ومن أنتِ منه، فقد أبى كل ثدي إلا ثديك ؟ فقالت : إني امرأة طيبة الريح، لا أُوتَى بصبي إلا قَبِلَني. فدفعه إليها، وأجرى عليها مؤنة الرضاع. قيل : ديناراً في اليوم، وذهبت به إلى بيتها، وأنجز الله لها وعده في الرد، فعندها ثبت واستقر في علمها أنه سيكون نبياً. وذلك قوله تعالى :﴿فرددناه إلى أمه كي تقرَّ عينُها﴾ بولدها، ﴿ولا تحزن﴾ لفراقه، ﴿ولِتَعْلَمَ أن وعْدَ الله حقٌ﴾، أي : وليثبت علمها ؛ مشاهدة، كما ثبت ؛ علماً.
وأما جزعها وحيرتها ؛ فذلك من الطبع البشري الجِبِلِّيِّ، اللازم لضعف البشرية، لا ينجو منه إلا خواص الخواص، وإنما حل لها ما تأخذه من الدينار في اليوم، كما قال السدي : لأنه مال حربي، لا أنه أجرة إرضاع ولدها.