يقول الحق جل جلاله :﴿ولما بَلَغَ﴾ موسى ﴿أَشُدَّهُ﴾ أي : نهاية القوم وتمام العقل، جمع شِدَّةٍ ؛ كنعمة وأنعم. وأول ما قيل في الأشد : بلوغ النكاح، وذلك أولُه، وأقصاه : أربع وثلاثون سنة. ﴿واستوى﴾ أي : اعتدل عقله وقوته، وهو أربعون سنة، ويُروى أنه لم يبعث نبي إلى على رأس أربعين سنة. ﴿آتيناهُ حُكْماً﴾ : نبوة، أو حكمة ﴿وعلماً﴾ : فقهاً في الدين، أو : علماً بمصالح الدارين. والحاصل : لما تكامل عقله وبصيرته آتيناهُ حُكْماً على عبادنا وعلماً بنا. ﴿وكذلك نجزي المحسنين﴾ أي : كما فعلنا بموسى وأمه ؛ لمّا استسلمت لأمر الله، وألقت ولدها في البحر، وصدقت بوعد الله، فرددنا لها ولدها، ووهبنا له الحكمة والنبوة، فكذلك نجزي المحسنين في كل أوان وحين.
قال الزجاج : جعل الله تعالى إيتاء العلم والحكمة مجازاة على الإحسان ؛ لأنهما يؤديان إلى الجنة، التي هي جزاء المحسنين، والعالم الحكيم من يعمل بعلمه ؛ لأنه تعالى قال :﴿وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة : ١٠٢]، فجعلهم جهالاً، إذ لم يعملوا بالعلم. هـ.
﴿ودخل المدينةَ﴾ أي : مصر، آتياً من قصر، فرعون، وكان خارجاً، وقال السُّدِّي : مدينة منف من أرض مصر، وقال مقاتل : قرية " حابين "، على فرسخين من مصر. ﴿على حين غفلةٍ من أهلها﴾، وهو مابين العشاءين، أو : وقت القائلة، يعني : انتصاف النهار.
قال السدي : لما كبر موسى ؛ ركب مراكب فرعون، ولبس ملابسَهُ، فكان يدعى موسى بن فرعون، فركب فرعونُ يوماً وركب موسى خلفه، فأدركه المقيل بقرب مدينة منف، فدخلها نصف النهار، وقد غلقت أسواقها، وليس في طرقها أحد، فوجد موسى رجلين.. إلخ.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٣


الصفحة التالية
Icon