الإشارة : في الآية دليل على أن الخوف عند الدواهي الكبار لا ينافي الخصوصية ؛ لأنه أمر جِبِلِّي، لكنه يخف ويهون أمره، وفيها دليل على جواز الفرار من مواطن الهلاك، يفرّ من الله إلىالله، ولا ينافي التوكل، وقد اختفى ﷺ من الكفار بغار ثور، واختفى الحسن البصري من الحَجَّاج، عند تلميذه حبيب العجمي. وفيها أيضاً دليل على أن المعصية قد تكون سبباً في نيل الخصوصية، كأكل آدم من الشجرة، كان سبباً في نيل الخلافة، وعُمْرَةِ الأرض، وما نشأ من صُلبه من الأنبياء والأولياء وجهابذة العلماء، وكقتل موسى عليه السلام نفساً لم يُؤمر بقتلها، كان سبباً في خروجه للتربية عند شعيب عليه السلام، وتهيئته للنبوة والرسالة والاصطفائية، فكل ما يُوجب التواضع والانكسار يورث التقريب عند الملك الغفار، والحاصل : أن من سبقت له العناية، ونال من الأزل مقام المحبوبية ؛ صارت مساوئه محاسن، ومن سبق له العكس صارت محاسنه مساوئ. اللهم
٢٥٦
اجعل سيئاتنا سيئات من أحببت، ولا تجعل حسناتنا حسنات من أبغضت. وفي الحديث :" إذا أحب الله عبداً لم يضره ذنب ". قال في القوت : واعلم أن مسامحة، الله عز وجل لأوليائه - يعني : في هفواتهم - في ثلاث مقامات : أن يقيمه مَقَامَ حَبيبٍ صَديقٍ، لِمَا سبق من قدم صدق، فلا تنقصه الذنوب ؛ لأنه حبيب. المقام الثاني : أن يقيمه مقام الحياء منه، بإجلال وتعظيم، فيسمح له، وتصغر ذنوبه ؛ للإجلال والمنزلة، ولا يمكن كشف هذا المقام، إلا أنَّا روينا عن رسول الله ﷺ : أنه ذكر طائفة فقال :" يدفع عنهم مساوئ أعمالهم بمحاسن أعمالهم " المقام الثالث : أن يقيمه مقام الحزن والانكسار، والاعتراف بالذنب والإكثار، فإذا نظر حزنه وهمه، ورأى اعترافه وغمه، غفر له ؛ حياء منه ورحمة. هـ. وبالله التوفيق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٥


الصفحة التالية
Icon