يقول الحق جل جلاله :﴿ولما توجَّه﴾ موسى ﴿تلقاءَ مَدْينَ﴾ ؛ نحوها وجهتها.
ومدين : قرية شعيب، سُميت بمدين بن إبراهيم، كما سميت المدائن باسم أخيه مدائن، ويقال له أيضاً :" مدان بن إبراهيم "، ولم تكن مدين في سلطان فرعون، وبينها وبين مصر مسيرة ثمانية أيام، ولعله إنما لم يتسلط عليها ؛ لِمَا وصله من خبر إهلاك أهلها لما طغوا على أنبيائهم، فخاف على نفسه. قال ابن عباس : خرج موسى، ولم يكن له علم بالطريق إلا حسن الظن بربه.
﴿قال عسى ربي أن يهديني سواءَ السبيل﴾ أي : وسطه ونهجه. فلما خرج، عَرَض له ثَلاَثُ طرق، فأخذ في أوسطها، وجاء الطلاب عَقِبَهُ، فأخذوا في الآخَرَيْنِ. رُوي أن مَلكاً جاءه على فرس بيده عَنَزَة، فانطلق به إلى مدين. ورُوي أنه خرج بلا زاد ولا درهم، ولا ظهر، ولا حِذاء - أي : نعل -، ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر، فما بلغ مدين حتى وقع خُفُّ قَدَمِهِ، وخضرة البقل ترى على بطنه.
﴿ولما وَرَدَ﴾ ؛ وصل ﴿ماء مدين﴾ ؛ بئراً لهم، ﴿وجد عليه﴾ ؛ على جانب البئر ﴿أُمّةً﴾ ؛ جماعة كثيرة ﴿من الناس﴾ ؛ من أناس مختلفين ﴿يسقون﴾ مواشيهم، ﴿ووجد من دونِهِمُ﴾ ؛ في مكان أسفل من مكانهم ﴿امرأتين تَذُودَان﴾ : تطردان غَنَمَهُمَا عن الماء، حتى
٢٥٧
تَصْدُرَ مواشي الناس ثم تسقيان ؛ لأن علىالماء من هو أقوى منهما، فلا يتمكنان من السقي. أو : لئلا تختلط أغنامهما بأغنامهم. والذود : الطرد والدفع.