﴿قال﴾ لهما موسى :﴿ما خطبُكما﴾ : ما شأنكما لا تسقيان ؟ والأصل : ما مخطوبكما، أي : مطلوبكما، فسمي المطلوب خَطْباً، ﴿قالتا لا نسقي﴾ غنمنا ﴿حتى يُصْدِرَ الرّعَاءُ﴾، أي : يصرفوا مواشيهم، يقال : أصدر عن الماء وصدر، والمضارع : يَصْدُر ويَصْدِر، والرعاء : جمع راع، كقائم وقيام، والمعنى : لا نستطيع مزاحمة الرجال، فإذا صدروا سقينا مواشينا، ﴿وأبُونا شيخ كبير﴾ السن، لا يمكنه سقي الأغنام وهو شعيب بن نويْب بن مدين بن إبراهيم - عليهما السلام - وقيل : هو " يثرون " ابن أخي شعيب، وكان شعيب قد مات بعدما كفَّ بَصَرُهُ، ودفن بين المقام وزمزم. والأول أصح وأشهر.
﴿
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٧
فسقى لهما﴾
أي : فسقى غنمهما لأجلهما ؛ رغبة في المعروف وإغاثة الملهوف، رُوي أنه نحى القوم عن رأس البئر، وسألهم دلواً، فأعطوه دلوهم، وقالوا : استق به، وكانت لا ينزعها إلا أربعون، فاستقى بها، وصبَها في الحوض، ودعا بالبركة. وقيل : كانت آبارهم مغطاة بحجار كبار، فعمد إلى بئر، وكان حجرها لا يرفع إلا جماعة، فرفعه وسقى للمرأتين. ووجه مطابقة جوابهما سؤاله : أنه سألهما عن سبب الذود، فقالتا : السبب في ذلك أن امرأتان مستورتان ضعيفتان، لا نقدر على مزاحمة الرجال، ونستحي من الاختلاط بهم، فلا بد لنا من تأخير السقي إلى أن يفرغوا. وإنما رضي شعيب عليه السلام لابنيته بسقي الماشية ؛ لأن الأمر في نفسه مباح مع حصول الأمن، وأما المروءة فعادات الناس فيها متباينة، وأحوال العرب فيها خلاف أحوال العجم، ومذهب أهل البدو فيه غير مذهب أهل الحضر، خصوصاً إذا كانت الضرورة. قاله النسفي. قلت : وقد كنت أعترض على أهل الجبل رَعْيَ النِّساءِ المواشي حتى تذكرت قضية ابنتي شعيب، لكن السلامة في زماننا هذا حبس النساء في الديار ؛ لكثرة أهل الفساد.


الصفحة التالية
Icon