﴿ثم﴾ لما سقى لهما ﴿تولى إلى الظل﴾ ؛ ظل شجرة. عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله ؛ قال : أحييت ليلتين على جمل لي، حتى صبّحْت مدين، فسالت عن الشجرة التي أوى إليها موسى، فإذا هي شجرة خضراء، فأخذ جملي يأكل منها ثم لفظها. هـ. وفي الآية دليل على جواز الاستراحة والاستظلال في الدنيا، بخلاف ما يقوله بعض المتقشفة، وسيأتي في الإشارة تمامه إن شاء الله.
ثم بث شكواه لمولاه ﴿فقال ربِّ إِني لِمَا أنزلتَ إليَّ من خيرٍ﴾ قليل أو كثير ﴿فقير﴾ ؛ محتاج. قال ابن عباس : لقد قال ذلك وإن خضراء البقل لتتراءى في بطنه، من الهزال. قيل : لم يذق طعاماً منذ سبعة أيام، وقد لصق بظهره بَطْنُهُ، وما سأل الله تعالى الأكلة. وفي هذا تنبيه على هوان الدنيا على الله تعالى. وقال ابن عطاء : نظر من العبودية
٢٥٨
إلى الربوبية، وتكلم بلسان الافتقار، لما ورد على سره من الأنوار. هـ.
الإشارة : ولما توجه القلبُ تلقاء مَدْيَنِ المآرب، ومنتهى الرغائب - وهي الحضرة القدسية - قال : عسى ربي أن يهديني سواء السبيل، أي : وسط الطريق التي توصل إليها، وهو شيخ التربية. ولَمَّا ورد مناهله، ومحلَ شربه وجد عليه أمة من الناس يسقون قلوبهم من شراب تلكَ الخمرة، ويطلبون مثل ما يطلب، فإن كان قوياً في حاله ؛ وصل من كان ضعيفاً وسقى له، ثم نزل إلى ظل المعرفة، في نسيم برد الرضا والتسليم، قائلاً، بلسان التضرع، سائلاً من الله المزيد : ربِّ إني لما أنزلت إليّ من خير الدارين، وغنى الأبد، فقير محتاج إلى مزيد الفضل والكرم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٧


الصفحة التالية
Icon