وقال في لطائف المنن :﴿ثم تولى إلى الظل﴾ ؛ قصداً لشكر الله تعالى على ما ناله من النعمة - يعني : نعمة الظل الحسي - وجعله أصلاً في استعمال الطيبات، وتناولها بقصد الشكر، ومثله في التنوير. وفي سنن أبي داود عن عائشة - رضي الله عنها - قالت :" كان ﷺ يُسْتعذب له الماء من بُيوت السُّقيا "، قال ابن قتيبة : هي عَيْنٌ، بينها وبين المدينة يومان. هـ. وكان الشيخ ابن مشيش يقول لأبي الحسن رضي الله عنه :(يا أبا الحسن، بَرِّد الماءَ ؛ فإن النفس إذا شربت الماء البارد ؛ حمدت الله بجميع الجوارح، وإذا شربت الماء السخن ؛ حمدت الله بكزازة).
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٧
قلت :(تمشي) : حال من (إحداهما)، و (على استحياء) : حال من ضمير (تمشي)، أي : تمشي مستحيية. و(القصص) : مصدر، سُمِّيَ به المقصوص.
يقول الحق جل جلاله :﴿فجاءته إحداهما﴾ ؛ وهي التي تزوجها، وذلك أنه لما سقى لهما رجعا إلى أبيهما بغنمها بِطاناً حُفَّلاً، فقال لهما : ما أعجلكما ؟ فقالتا له : وجدنا
٢٥٩
رجلاً صالحاً رحمنا ؛ فسقى لنا أغنامنا، فقال لإحداهما : أدعيه، فجاءته ﴿تمشي على استحياء﴾ قد سترت وجهها بكفها، واستترت بكُمِّ درعها. وهذا دليل على كمال إيمانها وشرف عنصرها ؛ لأنها كانت تدعوه إلى ضيافتها، ولم تعلم أيجيبها أم لا ؟ فقالت :﴿إن أبي يدعوك ليجزيك أجرَ ما سَقيت لنا﴾، " ما " مصدرية، أي : أجر سُقْيَاك لنا، فتبعها موسى، فألزقت الريح ثوبها بجسدها، فوصفته، فقال لها : امشي خلفي، وانعتي الطريق، فإننا بَني يعقوب، لا ننظر إلى أعجاز النساء.


الصفحة التالية
Icon