الإشارة : قد تقدم في سورة " طه " بعض إشارتها. ويؤخذ من الآية أن تزوج المريد، بعد كمال تربيته، كمال، وأما قبل كماله : فإن كان بإذن شيخه ؛ فلا يضره. وربما يتربى له اليقين أكثر من غيره. وقوله تعالى :﴿وسار بأهله﴾ ؛ قال الورتجبي : افهم أن مواقيت الأنبياء والأولياء وقت سير الأسرار من بدء الإرادة إلى عالم الأنوار. هـ. وقوله
٢٦٤
تعالى :﴿آنست ناراً﴾ ؛ قال الورتجبي : الحكمة في ذلك : أن طبع الإنسانية يميل إلى الأشياء المعهودة، لذلك تجلى النور في النار ؛ لاستئناسه بلباس الاستئناس، ولا تخلوا النار من الاستئناس، خاصة في الشتاء، وكان شتاءً، فتجلى الحق بالنور في لباس النار ؛ لأنه كان في طلب النار، فأخذ الحق مراده، وتجلى مِنْ حَيْثُ إِرَادَاته، وهو سنة الله تعالى. هـ.
وقوله تعالى :﴿من الشجرة﴾ ؛ أي : نودي منها حقيقة ؛ إذ ليس في الوجود إلا تجليات الحق ومظاهره، فيكلم عباده من حيث شاء منها. قال في العوارف : الصوفي ؛ لتجرده، يشهد التالي كشجرة موسى، حيث أسمعه الله خطابه منها، بأني أنا الله لا إله إلا أنا. هـ. فأهل التوحيد الخاص لا يسمعون إلا من الله، بلا واسطة، قد سقطت الوسائط في حقهم، حين غرقوا في بحر شهود الذات، فافهم. وقال في القوت : كانت الشجرة وجهة موسى عليه السلام، كلمة الله عز وجل منها، كما قال بعضهم : إن قوله تعالى :﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ﴾ [الأعراف : ١٠٧، والشعراء : ٣٢]، أي : بالجبل، كان الجبل من جهة الحس حجاباً لموسى، كشفه الله عنه، فتجلى به، كما قال :﴿من الشجرة﴾ ؛ فكانت الشجرة وجهة له عليه السلام هـ، بإيضاح. والله تعالى أعلم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٦٢