الإشارة : إذا اجتمع في زمانٍ نبيان، أو : وليان، لا تجدهما إلا متخالفين في القوة والليونة، أو في السكر والصحو، فكان مُوسَى في غاية القوة، وأخوه في غاية الليونة، وكان موسى عليه السلام في أول الرسالة غالباً عليه الجذب، وأخوه غالباً عليه الصحو، فلذلك استعان به. قال الورتجبي : افهَمْ أن مقام الفصاحة هو مقام الصحو والتمكين، الذي يقدر صاحبه أن يخبر عن الحق وأسراره، بعبارة لا تكون بشيعة في موازين العلم. وهذا حال نبينا محمد ﷺ، حيث قال :" أنا أفصح العرب " و " بُعثتُ بجوامع الكلم " وهذه قدرته قادرية اتصف بها العارف المتمكن، الذي بلغ مشاهدة الخاص، ومخاطبة الخاص، وكان موسى عليه السلام في محل السكر في ذلك الوقت، ولم يطق أن يعبر عن حاله كما كان ؛ لأن كلامه، لو خرج على وزان حاله، يكون على نعوت الشطح، عظيماً في آذان الخلق، وكلام السكران ربما يفتتن به الخلق، لذلك سأل مقام الصحو والتمكين بقوله :﴿واحلل عقدة من لساني﴾ ؛ لأن كلامه من بحر المكافحة والمواجهة الخاصة، التي كان مخصوصاً بها عن أخيه. هـ.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٦٥
يقول الحق جل جلاله :﴿فلما جاء موسى بآياتنا﴾ ؛ معجزاتنا التسع ﴿بيناتٍ﴾ ؛ واضحات ﴿قالوا ما هذا إلاّ سِحْرٌ مُفْتَرى﴾ ؛ سحر تعمله أنت، ثم تفتريه على الله، أو : سحر موصوف بالافتراء، كسائر أنواع السحر، وليس بمعجزة من عند الله، ﴿وما سمعنا بهذا﴾، يعني : السحر، أو : ادعاء النبوة، ﴿في آبائنا الأولين﴾، الجار : حال منصوبة بهذا، أي : ما سمعنا بهذا كائناً في آبائنا، أي : ما حُدِّثْنَا بكونه فيهم، ولا موجوداً في آبائهم.
٢٦٦


الصفحة التالية
Icon