﴿وقال موسى ربي أعلمُ بمن جاء بالهُدَى من عنده﴾، فيعلم أني محق، وأنتم مبطلون، وقرأ ابن كثير :" قال " ؛ بغير واو ؛ جواباً لمقالتهم. ﴿ومَن تكونُ له عاقبةُ الدار﴾ أي : العاقبة المحمودة، فإن المراد بالدار : الدنيا، وعاقبتها الأصلية هي الجنة ؛ لأن الدنيا خلقت مَعْبراً ومجازاً إلى الآخرة، والمقصود منها، بالذات، هو المجازاة على الأعمال فيها من الثواب الدائم، أوالعقاب الأليم، ﴿إنه لا يُفلِحُ الظالمون﴾ ؛ لا يفوزون بالهدى في الدنيا، وحسن العاقبة في العقبى.
قال النسفي : قل ربي أعلم منكم بحال من أَهَّلَهُ الله للفلاح الأعظم ؛ حيث جعله نبياً وبعثه بالهدى، ووعده حُسْنَ العُقْبَى، يعني نفسه، ولو كان كما تزعمون، ساحراً، مفترياً، لما أَهَّلَهُ لذلك ؛ لأنه غني حكيم، لا يرسل الكاذبين، ولا يُنَبِّىءُ الساحرين، ولا يفلح عنده الظالمون، وعاقبة الدار هي العاقبة المحمودة ؛ لقوله تعالى :﴿أُوْلَـائِكَ لَهُمْ عُقْبَىا الدَّارِ جَنِّـاتِ عَدْنٍ﴾ [الرعد : ٢٢]. والمراد بالدار : الدنيا، وعاقبتها : أن تختم للعبد بالرحمة والرضوان، ويلقى الملائكة بالبشرى والغفران. هـ.
﴿
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٦٦
وقال فرعونُ يا أيها الملأُ ما علمتُ لكم من إلهٍ غيري﴾
، قصد بنفي علمه بإله غيره نَفِيَ وُجُودِهِ، أي : مالكم إله غيري. قاله ؛ تجبراً ومكابرة، وإلا فهو مقر بالربوبية ؛ لقوله تعالى ؛ حاكياً عن موسى عليه اسلام :﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـاؤُلااءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ﴾ [الإسراء : ١٠٢]، ورُوي أنه كان إذا جن الليل، لبس المسوح وتمرغ في الرماد، وقال : يا رب إني كذاب فلا تفضحني.


الصفحة التالية
Icon