يقول الحق جل جلاله :﴿وما كنتَ﴾ يا محمد ﴿بجانب﴾ المكان ﴿الغربي﴾ من الطور، وهو الذي كلم الله فيه موسى، وهو الجانب الأيمن. قال السهيلي : إذا استقبلت القبلة، وأنت بالشام، كان الجبل يميناً منك، غربياً، غير أنه قال في قصة موسى :﴿جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ﴾ [مريم : ٥٢، وطه : ٨٠]، وصفه بالصفة المشتقة من اليُمن والبركة، لتكليمه إياه فيه، وحين نفى عن محمد ﷺ أن يكون بذلك الجانب، قال :﴿وما كنت بجانب الغربي﴾، والغربي هو الأيمن. والعدول عنه، في حالة النفي ؛ للاحتراس من توهم نفي اليمن عنه ﷺ، وكيف، وهو ﷺ لم يزل بصفة اليُمن وآدام بين الماء والطين! فحسنُ اللفظِ أصل في البلاغة، ومجانبة الاشتراك الموهم : من فصيحِ بديعِ الفصاحة. هـ.
أي : وما كانت حاضراً بذلك الموضع، ﴿إِذْ قَضَينا إلى موسى الأمرَ﴾، أي : كلمناه، وقربناه نجياً، وأوحينا إليه بالرسالة إلى فرعون، ﴿وما كنتَ من الشاهدين﴾، أي : من جملة الشاهدين فتخبر بذلك، ولكن أعلمناك من طريق الوحي، بعد أن لم يكن لك بذلك شعور، والمراد : الدلالة على أن إخباره بذلك من قِبَلِ الإخبار بالمغيبات التي لا تُعرف إلا بالوحي، ولذلك استدرك عنه بقوله :
﴿ولكنَّا أنشأنا﴾ بعد موسى ﴿قروناً فتطاولَ عليهم العُمُرُ﴾، أي : طالت أعمارهم، وفترت النبوة، وانقطعت الأخبار، واندرست العلوم، ووقع التحريف في كثير منها، فأرسلناك ؛ مُجَدِّداً لتلك الأخبار، مبيناً ما وقع فيها من التحريف، وأعطيناك العلم بقصص الأنبياء، وأوقفناك على قصة موسى بتمامها، فكأنه قال : وما كنت شاهداً لموسى وما جرى عليه، ولكنا أوحيناه إليك، فأخبرت به، بعد اندراسه.
٢٧٠


الصفحة التالية
Icon