﴿ومَا كنتَ ثاوياً﴾ ؛ مقيماً ﴿في أهل مدين﴾، وهم شعيب والمؤمنون به، ﴿تتلو عليهم آياتنا﴾ ؛ تقرؤها عليهم، تعلماً منهم، أو : رسولاً إليهم تتلوها عليهم بوحينا، كما تلوتها على هؤلاء، يريد : الآيات التي فيها قصة شعيب وقومه، ﴿ولكنّا كنّا مُرسِلينِ﴾ لك، فأخبرناك بها، وعلَّمناك إياها، فأخبرت هؤلاء بها، ﴿وما كنت بجانب الطور إِذ نادينا﴾ موسى، أن خذ الكتاب بقوة، أو ناجيناه في أيام الميقات، ﴿ولكن﴾ علمناك وأرسلناك ﴿رحمةً﴾ أي : للرحمة ﴿من ربك لتُنذر قوماً﴾ جاهلية ﴿وما أتاهم من نذير من قبلك﴾ في زمان الفترة التي بينك وبين عيسى، وهي خمسمائة وخمسون سنة، أو : بينك وبين إسماعيل، على أن دعوة موسى وعيسى كانت مختصة ببني إسرائيل وما حواليهم، ﴿لعلهم يتذكرون﴾ ؛ لعل من أُرْسِلْتَ إليه يتعظ ويتذكر ما هو فيه من الضلال، فينزعُ ويرجع. وبالله التوفيق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٧٠
الإشارة : المراد من هذه الآيات : تحقيق نبوته ﷺ ومعرفته الخاصة، وهي سُلَّم، ومعراج إلى معرفة الله تعالى ؛ لأنه الواسطة العظمى، فمهما عرفته المعرفة الخاصة عرفت الله تعالى، فمنه ﷺ استمدت العلوم كلها ؛ علم الربوبية، من طريق البرهان، وعلمها من طريق العيان، وعلم المعاملة الموصلة إلى الرضا والرضوان، ومعرفة نبوته ﷺ ضرورية لا تحتاج إلى برهان، ويرحم الله القائل :
لَوْ لَمْ تَكُنْ فيه آيات مُبيِّنَة
لَكَانَ مَنْظَرُهُ يُنْبِيكَ بِالْخَبَرِ


الصفحة التالية
Icon