نزلت في الحارث بن عثمان بن نوفل، أتى النبي ﷺ فقال : نحن نعلم أنك على الحق، ولكنا نخاف، إن اتبعناك وخالفنا العرب، وإنما نحن أكَلَةُ رأس، أَنْ يتخطفونا من أرضنا، فردّ الله عليهم بقوله :﴿أوَ لَمْ نُمكِّنْ لهم حَرَماً آمناً﴾ ؛ أَوَ لَمْ نجعل مكانهم حرماً ذا آمن بحرمة البيت، يأمن فيه قُطانه، ومن التجأ إليه من غيرهم ؛ فَأَنَّى يستقيم أن نعرضهم للتخطف، ونسلبهم الأمن، إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة الإسلام ؟.
﴿تُجْبَى إليه﴾، أي : تُجمع وتُجلب إليه من كل أَوْب، ﴿ثمراتُ كل شيء﴾ أي : كل صنف ونوع. ومعنى الكُلِّيَّةِ : الكثرة ؛ كقوله :﴿وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾ [النمل : ٢٣]، ﴿رزقاً من لدُنَّا﴾، ونعمة من عندنا، وإذا كان حالهم، وهم عبدة الأصنام، فكيف إذا أووا إلى كهف الإسلام، وتدرعوا بلباس التوحيد ؟
﴿ولكن أكثرهم لا يعلمون﴾ أي : جهلة، لا يتفطنون ولا يتفكرون حتى يعلموا أنه لا يهملهم من حفظه ورعايته، إن أسلموا. وقيل : يتعلق بقوله :﴿من لدُنَّا﴾، أي : قليل منهم يتدبرون، فيعلمون أن ذلك رزق من عند الله ؛ وأكثرهم جهلة لا يعلمون ذلك، ولو علموا أنه من عند الله ؛ لعلموا أن الخوف والأمن من عند الله، ولَمَا خافوا التخطف إذا آمنوا به. والله تعالى أعلم.
الإشارة : ترى كثيراً من الناس، ممن أراد الله حرمانه من الخصوصية، يتعلل بهذه العلل الواهية، يقول : إن دخلنا في طريق القوم ؛ رفضَنا الناس، وأنكر علينا أقاربنا، ونخاف الضيعة على أولادنا. يقول تعالى لهم : أو لم أُمَكِّن لأوليائي، المتوجهين إلى حَضْرَةِ القدس، حرماً آمناً تُجبى لأهلها الأرزاق من كل جانب، بلا حرص ولا طمع ولا سبب، ولكن أكثر الناس ؛ جهالاً بهذا، وقفوا مع العوائد، فحُرموا الفوائد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٧٦
٢٧٧


الصفحة التالية
Icon