قلت :" كم " : منصوب بأهلكنا. والبطر : الطغيان عند النعمة. قال في القاموس : البَطَر - محركة : النشاط، والأشر، وقلة احتمال النعمة، والدهش، والحيرة، والطغيان بالنعمة، وكراهة الشيء من غير أن يستحق الكراهية، فعلى الكل : كفرح. هـ. و(معيشتها) نصب بحذف الجار واتصال الفعل، أي : في معيشتها. وجملة (لم تسكن) : حال، والعامل فيها : الإشارة.
يقول الحق جل جلاله :﴿وكم أهلكنا من قرية﴾، أي : كثيراً أهلكنا من أهل قرية، كانت حالهم كحالهم في الأمن والدعة، وخصب العيش، مِنْ وصفها ﴿بَطِرَتْ﴾ في ﴿مَعِيشَتها﴾، أي : طغت وتجبرت ولم تشكر، بل قابلتها بالبطر والطغيان. قال القشيري : لم يعرفوا قدر نعمتهم، ولم يشكروا سلامة أموالهم، وانتظام أمورهم، فهاموا في أودية الكفران على وجوهم، وخَرُّوا في وَهدة الطغيان على أذقانهم، فدمر الله عليهم وخرب ديارهم.
﴿فتلك مساكنهم﴾ خاوية، أو : فتلك منازلهم باقية الآثار، يشاهدونها في الأسفار ؛ كبلاد ثمود، وقرى لوط، وقوم شعيب، وغيرهم، ﴿لم تُسكن من بعدهم إلا قليلاً﴾ من السكنى، أي : لم يسكنها إلا المسافر، أو مار بالطريق ؛ يوماً أو ساعة، ﴿وكنا نحن الوارثين﴾ لتك المساكن من سكانها، أي : لا يملك التصرف فيها غيرنا. وفيه إشارة لوعد النصر لمتبع الهدى، وأن الوراثة له، لا أنه يتخطف كما قد قيل، بل يقع الهلاك على من لم يشكر نعمة الله، ويتبع هواه، فكيف يخاف من تكون عاقبته الظفر ممن يكون عاقبته الدمار والتبار ؟ والحاصل : إنما يلحق الخوف من لم يتبع الهدى، فإنه الذي جرت سنة الله في بالهلاك، وأما متبع الهدى ؛ فهو آمن والعاقبة له.


الصفحة التالية
Icon