وذكر أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :" ما سكن حب الدنيا قلب عبد إلا إلتاط منها بثلاث : شغل لا ينفد عناؤه، وفقر لا يدرك غناه، وأمل لا ينال منتهاه، إن الدنيا الآخرة طالبتان ومطلوبتان، فطالب الآخرة تطلبه الدنيا، حتى يستكمل رزقه، وطالب الدنيا تطلبه الآخرة حتى يأخذ الموت بعنقه، ألا وإن السعيد من اختار باقية يدوم نعيمها، على فانية لا ينفك عذابها، وقدّم لِمَا يُقْدِمُ عليه مما هو الآن في يده، قبل أن يُخلفه لمن يسعد بإنفاقه، وقد شقي هو بجمعه واحتكاره ".
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٧٩
قلت :" هؤلاء " : مبتدأ. و " الذين " : صفته، والعائد : محذوف، و " أغويناهم " : خبر.
والكاف في " كما " : صفة لمصدر محذوف، أي أغويناهم غياً مثل ما غوينا، و " لو أنهم " : جوابه محذوف، أي : لما رأوا العذاب.
يقول الحق جل جلاله :﴿قال الذين حقَّ عليهم القولُ﴾ بالعذاب، وثبت مقتضاه، وهو قوله تعالى :﴿لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [هود : ١١٩]، وهم الشياطين، أو : أئمة الكفر : ورؤساء الكفرة :﴿ربنا هؤلاء﴾ الكفرة ﴿الذين أغوينا أغويناهم﴾ أي : دعوناهم إلى الشرك وسوّلناه لهم، قد غَووا غياً ﴿كما﴾ مثل ما ﴿غَوَينا﴾ يقولون : إنا لم نغو إلا باختيارنا، فهؤلاء كذلك غووا باختيارهم ؛ لأن إغواءنا لم يكن إلا وسوسة وتسويلاً، فلا فرق إذن بين غينا وغيهم، وإن كان تسويلنا داعياً لهم إلى الكفر فقد كان في مقابلته دعاء الله لهم إلى الإيمان، بما وضع فيهم من أدلة العقل، وما بعث إليهم من الرسل، وأنزل إليهم من الكتب، وهذا كقوله :﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ...﴾ إلى قوله :﴿وَلُومُوااْ أَنفُسَكُمْ...﴾ [إبراهيم : ٢٢].


الصفحة التالية
Icon