ثم قالوا :﴿تبرَّأنا إليك﴾ منهم فيما اختاروه من الكفر، ﴿ما كانوا إيانا يعبدون﴾، بل كانوا يعبدون أهواءهم، ويطيعون شهواتهم. فَتَحَصَّلَ من كلام هؤلاء الرؤساء أنهم اعترفوا أنهم غَرُّوا الضعفاء، وتبرؤوا من أن يكون آلهتهم، فلا تناقض. انظر ابن جزي. وإخلاء الجملتين من العاطف ؛ لكونهما مقررتين للجملة الأولى.
﴿وقيل﴾ للمشركين :﴿ادعو شركاءَكم﴾ أي : الأصنام ؛ لتُخلصكم من العذاب، ﴿فَدَعَوْهُمْ فلم يستجيبوا لهم﴾، فلم يجيبوهم ؛ لعجزهم عن الإجابة والنصرة. ﴿ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون﴾ لَمَّا رأوا ذلك العذاب، وقيل :" لو " ؛ للتمني، أي : تمنوا أنهم كانوا يهتدون.
﴿
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٨٠
و﴾
اذكر ﴿يوم يُناديهم فيقولُ ماذا أجبتُمُ المرسلين﴾ الذي أُرسلوا إليكم ؟ أي : بماذا أجبتموهم ؟ وهو أعلم بهم. حكي، أولاً، ما يوبخهم به ؛ من اتخاذهم له شركاء، ثم ما تقوله الشياطين، أو : أئمة الكفر عند توبيخهم ؛ لأنهم إذا وبخوا بعبادة الآلهة اعتذروا بأن الشياطين، أو الرؤساء، استغووهم، ثم ما يشبه الشماتة بهم ؛ لاستغائتهم بآلهتهم وعجزهم عن نصرتهم. ثم ما يُبَكَّتُونَ به من الاحتجاج عليهم بإرسال الرسل وإزاحة العلل. قال تعالى :﴿فعَمِيتْ عليهم الانبياء يومئذِ﴾ ؛ خفيت عليهم الحجج أو الأخبار.
٢٨١
وقيل : خفي عليهم الجواب، فلم يدروا بماذا يجيبون ؛ إذ لم يكن عندهم جواب.
قال البيضاوي : وأصله : فعموا عن الانباء، لكنه عكس ؛ مبالغة ودلالة على أن ما يحضر الذهن إنما يفيض ويرد عليه من خارج، فإن أخطأه لم يكن له حيلة إلى استحضاره، والمراد بالأنباء : ما أجابوا به الرسل، أو : ما يعمها وغيرَها، فإذا كانت الرسل يتلعثمون في الجواب عن مثل ذلك من الهول، ويفوضون إلى علم الله تعالى ؛ فما ظنك بالضلال من البُهم ؟. هـ.


الصفحة التالية
Icon