﴿فهم لا يتساءلون﴾ ؛ لا يسأل بعضهم بعضاً عن الجواب ؛ لفرط الدهشة، أو : عن العذر والحجة، عسى أن يكون عندهم عذر أو حجة. ﴿فأما من تابَ﴾ من الشرك ﴿وآمَنَ﴾ بربه وبمن جاء من عنده، ﴿وعَمِلَ صالحاً﴾ أي : جمع بين الإيمان والعمل، ﴿فعسى أن يكون من المفلحين﴾ ؛ من الفائزين عند الله بالنعيم المقيم. و " عسى "، من الكِرام، تحقيق. وفيه بشارة للمسلمين على الإسلام، وترغيب للكافرين في الإيمان. وبالله التوفيق.
الإشارة : قال الذين حق عليهم القول ؛ بالانحطاط عن درجة المقربين، والبقاء مع عامة أهل اليمين، وهم الصادُّون الناسَ عن الدخول في طريق القوم : ربنا هؤلاء الذين أغوينا ؛ زيناً لهم البقاء مع الأسباب، والوقوف مع العوائد، أغويناهم كما غوينا، فحيث لم نَقَوَ على مقام أهل التجريد، قوينا سوادنا بهم، تبرأنا إليك ؛ لأنا لم نقهرهم، ولكن وسوسنا لهم ذلك، ما كانوا إيانا يعبدون، ولكن عبدوا هوى أنفسهم. ثم يقال لهم : ادعوا ما كنتم تعبدونه من حظوظ الدنيا وشهواتها، فدعوهم ؛ فلم يستجيبوا لهم، ورأوا عذاب القطيعة، لو أنهم كانوا يهتدون إلى اتباع أهل التربية ؛ ما وقعوا في ذلك. ويوم يناديهم فيقول : ماذا أجبتم الداعين، الذين أرسلتهم في كل زمان، يدعون إلى الله، ويرفعون الحجاب بينهم وبين ربهم، فعميت عليهم الأنبياء يومئذٍ، فهم لا يتساءلون عن أحوال المقربين، لغيبتهم عنهم. والله تعالى أعلم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٨٠
يقول الحق جل جلاله :﴿وربك يخلقُ ما يشاءُ﴾، لا موجب عليه، ولا مانع له، وفيه دلالة على خلق الأفعال. ﴿ويختارُ﴾ ما يشاء، لا اختيار لأحد مع اختياره. قال البيضاوي : وظاهره : نفي الاختيار عنهم رأساً، والأمر كذلك عند التحقيق ؛ فإنَّ اختبار العبد مخلوق لله، منوط بدواعٍ لا اختيار لهم فيها، وقيل : المراد أنه ليس لأحد أن يختار عليه،
٢٨٢


الصفحة التالية
Icon