فلذلك خلا عن العاطف، يعني قوله :﴿ما كان..﴾ إلخ، ويؤيده : ما روي أنه نزل في قولهم :﴿لَوْلاَ نُزِّلَ هَـاذَا الْقُرْآنُ عَلَىا رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف : ٣١] هـ. ﴿ما كان لهم الخِيَرةُ﴾ أي : ليس لهم أن يختاروا مع الله شيئاً ما، وله الخيرة عليهم. والخيرة : من التخير، تستعمل مصدراً بمعنى التخير، وبمعنى المتخيّر، ومنه : محمد خيرة الله من خلقه، ولم يدخل العاطف في ﴿ما كان لهم الخيرة﴾ ؛ لأنه مقرر لِمَا قبله، وقيل :" ما " : موصولة، مفعول بيختار، والراجع إليه : محذوف، أي : ويختار الذي كان لهم من الخيرة والصلاح. هـ. وبحث فيه النسفي بأن فيه ميلاً إلى الاعتزال، ويجاب : بأن المعتزلة يقولون ذلك على سبيل الإيجاب، ونحن نقوله على سبيل التفضل والإحسان.
﴿سبحان الله﴾، أي : تنزيهاً له عن أن ينازعه أحد، أو يزاحم اختيارَهُ اختيارٌ.
﴿وتعالى عما يشركون﴾، أي : تعاظم عن إشراكهم، أو : عن مشاركة ما يُشركون به.
﴿وربك يعلم ما تُكِنُّ﴾ تُضمر ﴿صدورُهم﴾ من عداوة الرسول - عليه الصلاة والسلام - وحسده، ﴿وما يُعلنون﴾ من مطاعنهم فيه، وقولهم : هلاً اختير عليه غَيْرُهُ في النبوة. ﴿وهو الله﴾ المستأثر بالألوهية المختص بها، ﴿لا إله إلا هو﴾، تقرير له، كقولك : الكعبة قبلة، لا قبلةَ إلا هي. ﴿له الحمد في الأولى﴾ أي : في الدنيا، ﴿والآخرة﴾ ؛ لأنه المُولي للنعم كلها، عاجلها وآجلها، يحمده المؤمنون في الدنيا، ويحمدونه في الآخرة بقولهم :﴿الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِيا أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ [فاطر : ٣٤]، ﴿الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ﴾ [الزمر : ٧٤]، ﴿وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الزمر : ٧٥]، والتحميد تم على وجه التلذذ لا الكلفة. ﴿وله الحُكم﴾ ؛ القضاء بين عباده، ﴿وإليه تُرجعون﴾ بالبعث والنشور. وبالله التوفيق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٨٢


الصفحة التالية
Icon