يقول الحق جل جلاله :﴿قال﴾ قارون :﴿إنما أُوتيته﴾ أي : المال ﴿على علم
٢٨٧
عندي﴾ أي : على استحقاق مني، لِمَا فيّ من العلم الذي فَضلت به الناس، وهو علم التوراة، وكان أعلم الناس به بعد، موسى وهارون، وكان من العباد، ثم كفر بعد ذلك. وذكر القشيري أنه كان منقطعاً في صومعة للعبادة، فصحبة إبليسُ على العبادة، واستمر معه على ذلك، وهو لا يشعر، إلى أن ألقى إليه : إن ما هما عليه، من الانقطاع عن التكسب، وكون أمرها على أيدي الناس، ليس بشيء، فرده إلى الكسب بتدريج، إلى أن استحكم في حب الدنيا والجمع والمنع، ثم تركه. هـ. وقيل : المراد به علم الكيمياء، وكان يأخذ الرصاص والنحاس فيجعلهما ذهبا. أو : العلم بوجوه المكاسب من التجارة والزراعة، أو : العمل بكنوز يوسف.
قال تعالى :﴿أَوَلَمْ يعلم أن الله قد أهلكَ مِنْ قبله من القرون مَنْ هو أشدُّ منه قوةً وأكثرُ جَمْعاً﴾، أي : أو لم يكن في علمه، من جملة العلم الذي عنده، أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه وأقوى وأغنى، وأكثر جمعاً للمال، أو أكثر جماعة وعددا، وهو توبيخ على اغتراره بقوته وكثرة ماله، مع علمه بذلك ؛ لأن قرأه في التوراة، وسمعه من حفاظ التواريخ. أو : نفيٌ لعلمه بذلك ؛ لأنه لَمَّا قال :﴿أُوتيته على علم عندي﴾ ؛ قيل له، أعنده مثل ذلك العلم الذي ادعاه، ورأى نفسه به مستوجبة لكل نعمة، ولم يعلم هذا العلم النافع، الذي هو الاعتبار بمن هلك قبله، حتى يَقِيَ نفسه مصارع الهالكين.
﴿ولا يُسْئل عن ذنوبهم المجرمون﴾، لعلمه تعالى بعملهم، بل يُدخلهم النار بغتة.