يقول الحق جل جلاله :﴿فخرج﴾ قارونُ ﴿على قومه في زينته﴾، قال جابر : كانت زينته القرمز، وهو صبغ أحمر معروف. قيل : إنه خرج في الحمرة والصفرة، وقيل : خرج يوم السبت على بغلة شهباء، عليها الأرْجُوان، وعليها سرج من ذهب، ومعه أربعة آلاف على زيه، وقيل : عليهم وعلى خيولهم الديباج الأحمر، وعن يمينه ثلاثمائة غلام، وعن يساره ثلاثمائة جارية بيض، عليهن الحليّ والديباج.
﴿قال الذين يُريدون الحياةَ الدنيا﴾، قيل : كانوا مسلمين، وإنما تمنوا، على سبيل الرغبة في اليسار، كعادة البشر، وقيل : كانوا كفاراً، ويرده قوله :﴿لولا أن مَنّ الله علينا..﴾ إلخ. ﴿يا ليت لنا مِثْلَ ما أُوتي قارونُ﴾ من المال والجاه، قالوه ؛ غِبْطَةً. والغابط هو الذي يتمنى مثل نعمة صاحبه، من غير أن تزول عنه، والحاسد هو الذي يتمنى أن تكون نعمة صاحبه له، دونه. وهو كقوله تعالى :﴿وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىا بَعْضٍ﴾ [النساء : ٣٢]، وقيل لرسول الله ﷺ : هل تضر الغبطة ؟ فقال :" لا... " الحديث. ﴿إنه لذو حظٍ عظيم﴾ من الدنيا، والحظ : الجَدُّ، وهو البخت والدولة.
﴿
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٨٩
وقال الذين أُوتوا العلمَ﴾ بالثواب والعقاب وفناء الدنيا، أو : أتوا العلم بالله، فيؤخذ منه : أن متمني الدنيا جاهل ولو كان أعلم الناس ؛ إذ لا يتمناها إلا المحب لها، وهي رأس الفتنة. فأيّ علم يبقى مع فتنة الدنيا ؟ ! قالوا في وعظهم لغابطي قارون :﴿وَيْلَكُمْ﴾ ؛ هلاكاً لكم، فأصل ويلك : الدعاء بالهلاك، ثم استعمل في الزجر والردع على
٢٨٩