الإشارة : في الآية ترهيب من التعمق في زينة الدنيا، والتكاثر بها. ومن تمنى ما لأربابها من غرور زخرفها، وترغيب في الزهد فيها، وإيثار الفقر على الغنى، والتبذل والتخشن على ملاذ ملابسها ومطاعمها. قال الشيخ العارف ؛ سيدي عبد الرحمن بن يوسف اللجائي في كتابه : اعلم أن الدنيا إذا عظمت وجلّت في قلب عبد، فإن ذلك العبد يعظم قدر من أقبلت عليه الدنيا، ويتمنى أن ينال منها ما نال، فإن كل إنسان يعظم ما اشتهت نفسه. وهذه صفة عبيد الدنيا، وعبيد أهوائهم. وهي صفة من أسكرته الغفلة، وخرجت عظمة الله عز وجل من قلبه، وإلى هذه الإشارة بقوله تعالى :﴿قال الذين يريدون الحياة الدنيا...﴾ الآية. فكل محب للدنيا، مستغرق في حبها، فهو لاحق بالذين تموا زينة قارون. واعلم أن الدنيا إذا رسخت في القلب، واستوطنت، ظهر ذلك على جوارح العبد، بتكالبه عليها، وشدة رغبته فيها، فيسلبه الله تعالى لذة القناعة، ويمنعه سياسة الزاهدين، ويبعده عن روح العارفين ؛ فإن القلب إذا لم يقنع ـ لو ملك الدنيا بحذافيرها ـ لم يشبع. وقال بعض الحكماء : القناعة هي الغنى الأكبر، ولن تخفى صفة القانعين. هـ. ومآل الراغبين في الدنيا هو مآل قارون، من الفناء والذهاب تحت التراب، وأنشدوا :
إنْ كُنْتَ تَسّمُوِ إِلَى الدُّنْيا وَزِينَتِهَا
فَانْظُرْ إِلى مَالِكَ الأَمْلاَكِ قَارُونِ
رَمَّ الأُمُورَ فَأَعْطَتْهُ مَقَادتَهَا
وَسَخَّرَ النَّاسَ ؛ بِالتَّشْدِيدِ وَاللِّينِ
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٨٩
حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَلاَّ شَيءَ غَالِبُه
وَمُكِّنَتْ قَدَمَاهُ أَيَّ تَمْكِينِ
٢٩١
رَاحَتْ عَلَيْهِ الْمَنَايَا رَوْحَةً تَرَكَتْ
ذَا المُلْكِ والْعِزِّ تَحْتَ الْمَاءِ وَالطِّينِ
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٨٩
قلت :(تلك) : مبتدأ، و(نجعلها) : خبر.