الإشارة : أم حسب الذين يُنكرون على أوليائي، المنتسبين إليّ، أن يسبقونا ؟ بل لا بد أن نعاقبهم في الدنيا والآخرة، إما في الظاهر ؛ بمصيبة تنزل بهم، أو في الباطن، وهو أقبح، كقساوة في قلوبهم، أو : كسل في بدنهم، أو : شك في يقينهم، أو : بُعد من ربهم، فإن من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب. ثم بشّر المتوجهين الذين يؤذَون في جانبه، بأن لقاءه حاصل لهم إن صبروا، وهو الوصول إلى حضرته، والتنعم بقربه ومشاهدته، جزاء على صبرهم ومجاهدتهم، وهو الغَنِي بالإطلاق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٩٧
٢٩٨
قلت :" وصى " حُكمه حُكْمُ " أَمَرَ "، يقال وصيت زيداً بان يفعل خيراً، كما تقول : أمرته بأن يفعل خيراً، ومنه :﴿وَوَصَّىا بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ﴾ [البقرة : ١٣٢]، أي : أمرهم بكلمة التوحيد ووصاهم عليها.
يقول الحق جل جلاله :﴿ووصينا الإنسانَ بوالديه﴾ ؛ أمرناه بإيتاء والديه ﴿حُسْناً﴾ أي : فعلاً ذا حُسْنٍ، أو : ما هو في ذاته حُسن، لفرط حسنه، كقوله :﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً﴾ [البقرة : ٨٣] أو : وصينا الإنسان بتعاهد والديه، وقلنا له : أحسن بهما حسناً، أو أوْلِهِمَا حُسْناً. ﴿وإِن جاهداك﴾ أي : حملاك بالمجاهدة والجد ﴿لتُشرك بي ما ليس لك به علم﴾ أي : لا علم لك بالإلهية، والمراد نَفْيُ العلم نَفْيُ المعلوم، وكأنه قيل : لتشرك بي شيئاً لا يصح أن يكون إلهاً، وقيل : ما ليس لك به حجة ؛ لأنها طريق العلم، فهو قوله :﴿لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ﴾ [المؤمنون : ١١٧]، بل هو باطل عقلاً ونقلاً، ﴿فلا تُطعمها﴾ في ذلك ؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.