قال القشيري : المحن تُظْهِرُ جواهرَ الرجال، وتَدُلُّ على قيمتهم وأقدارهم. ثم من كانت محنته من فوات الدنيا، أو نقص نصيبه فيها، أو بموت قريب أو فَقْد حبيب، فحقيرٌ قدره، وكثيرٌ في الناس مثله. ومن كانت محنته في الله ولله، فعظيم قدره، وقليل مثله، في العدد قليل، ولكن في القدر والخطر جليل. هـ. قلت : معنى كلامه : أن العامة يمتحنهم الله ويختبرهم بذهاب حظوظهم وأحبابهم، فإن جزعوا فقدرهم حقير، وإن صبروا فأجرهم كبير، وأما الخاصة فيمتحنهم الله بسبب نسبتهم إلى الله، وإقبالهم عليه، أو الأمر بمعروف أو نهي عن منكر، فَيُؤْذَوْنَ في جانب الله، فمنهم من يُسجن، ومنهم من يُضرب، ومنهم من يُجلى من بلده، فهؤلاء قدرهم عند الله كبير. ثم قال : والمؤمن مَنْ يكفُّ الأذى، والولي من يتحمل من الناس الأذى، من غير شكوى، ولا إظهار دعوى. هـ.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٩٩
يقول الحق جل جلاله :﴿وقال الذين كفروا﴾ من صناديد قريش، ﴿للذين آمنوا اتَّبِِعُوا سبيلَنَا﴾ الذي نسلكه، وهو الدخول في ديننا، ﴿وَلْنَحْمِلْ خطاياكم﴾ إن كان ذلك خطيئة في زعمكم. أمروهم باتباع سبيلهم، وهي طريقتهم التي كانوا عليها، وأمروا
٣٠٠
أنفسهم بحمل خطاياهم، فعطف الأمر على الأمر، وأرادوا ليجتمع هذان الأمران في الحصول. والمعنى : تعليق الحمل بالاتباع، أي : إن تتبعوا سبيلنا حملنا خطاياكم. وهذا قول صناديد قريش، كانوا يقولون لمن آمن منهم : لا نُبعث نحن ولا أنتم، فإن كان ذلك فإنا نحمل عنكم الإثم.