قلت : يقال : بدأ الله الخلق، وأبداه : بمعنى واحد، وقد جاءت اللغتان في هذه السورة. وقوله :(يُعيده) : عطف على الجلمة، لا على (يبدئ) ؛ لأن رؤية البداءة بالمشاهدة بخلاف الإعادة، فإنها تُعْلَمُ بالنظر والاستدلال، وهم لا يقرونها، لعدم النظر. وقد قيل : إنه يريد إعادة النبات وإبداءه، وعلى هذا تكون (ثم يعيده) : عطفاً على (يبدئ).
يقول الحق جل جلاله :﴿أَوَلَم يروا﴾ أي : كفار قريش ﴿كيف يُبدىءُ اللهُ الخلقَ﴾ أي : يظهره من العدم، أي : قد رأوا ذلك وعلموه، ﴿ثم يُعيده﴾ بالبعث ؛ للجزاء بالعذاب والثواب.
قال القشيري : الذي دَاخَلَهم في الشكُّ هو بعث الخلَق، فاحتجَّ عليهم بما أراهم من فصول السنة بعد نقضها، وإعادتها على الوجه الذي كان في العام الماضي. وكما أن ذلك سائغٌ في قدرته، كذلك بُعث الخلق. هـ. ونحوه لابن عطية وغيره. كما هو مشهود في الثمار، من كونها تبدأ، فتجنى، ثم تفنى، ثم تعيدها مرة أخرى. وكذلك يبدئ خلق الإنسان، ثم يهلكه بعد أن خلق منه ولداً، وخلق من الولد ولداً آخر، وكذا سائر الحيوان. وهذا يرشح صحة عطف " يعيد " على " يبدئ ". ﴿إن ذلك على الله يسيرٌ﴾ أي : الإعادة بعد الإفناء يسيرة على قدرة الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon