﴿قُلْ سيروا في الأرض﴾ أي : قل يا محمد، وإن كان من كلام إبراهيم فتقديره : وأوحينا إليه أن قل : سيروا في الأرض، ﴿فانظروا كيف بدأَ الخلقَ﴾ على كثرتهم، واختلافْ أحوالهم والسنتهم وألوانهم وطبائعهم، تفاوت هيئاتهم، لتعرفوا عجائب قدرة الله بالمشاهدة، ويقوي إيمانكم بالبعث، وهو قوله :﴿ثم الله ينشىءُ النشأةَ الآخرةَ﴾ أي : البعث، وهذا دليل على أنهما نشأتان : نشأة الاختراع ونشأة الإعادة، غير إن الآخرة إنشاء بعد إنشاء، والأولى ليست كذلك. والقياس أن يقال : كيف بدأ الله الخلق ثم ينشىء النشأة الآخرة، وإنما عدل عنه ؛ لأن الكلام معهم وقع في الإعادة، فلما قررهم في الإبداء، بإنه من الله، احتج بأن الإعادة إنشاء مثل الإبداء، فإذا لم يعجزه الإبداء وجب ألا يعجزه الإعادة، فكأنه قال : ثم ذلك الذي أنشأ الأولى هو الذي يُنشىء النشأة الآخرة، فللتنبيه على هذا أبرز اسمه وأوقعه مبتدأ. قال النسفي.
﴿
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٠٣
إن الله على كل شيءٍ قديرٌ﴾ ؛ فلا يعجزه شيء. ﴿يُعذِّب من يشاء﴾ بعدله
٣٠٤
﴿ويرحم من يشاء﴾ بفضله، أو : يُعذب من يشاء بالخذلان، ويرحم بالهداية للإيمان، أو : يُعذب من يشاء بالحرص، ويرحم من يشاء بالقناعة، أو : يُعذب بالتدبير والاختيار ويرحم بالرضا والتسليم لمجاري الأقدار، أو : يُعذب بالإعراض عنه، ويرحم بالإقبال عليه، أو : بالاستتار والتجلي، أو : بالقبض والبسط، أو بالمجاهدة والمشاهدة، إلى غير ذلك. ﴿وإليه تقلبون﴾ ؛ تُردون للحساب والعقاب.