﴿وقالوا﴾، لمّا رأوا فيه أثر الضجر والخوف :﴿لا تخفْ ولا تحزنْ﴾ على تمكنهم منا، ﴿إنا منجُّوكَ وأهلَكَ﴾ أي : وننجي أهلك، فالكاف في محل الجر، و " أهلك " : نصب بفعل محذوف، ﴿إلا إمرأتكَ كانت من الغابرين﴾. في الكلام حذف يدل عليه ما في هود، أي : لا تخف ولا تحزن من أجلنا، إنهم لن يصلوا إليك ونحن عندك، بل يهلكون جميعاً، وأما أنت ؛ فإنا منجوك... إلخ ؛ لأن خوفه إنما كان عليهم لا على نفسه. أو يقدر : إنا منجوك وأهلك بعد هلاكهم. ثم قالوا :﴿إنا منزلون على أهلِ هذه القرية رِجْزاً﴾ ؛ عذاباً ﴿من السماء بما كانوا يَفْسُقُون﴾ ؛ بسبب فسقهم.
﴿ولقد تركنا منها﴾ ؛ من القرية ﴿آية بينةً﴾ هي حكايتها الشائعة، أوآثار منازلهم الخربة، وقيل : الماء الأسود على وجه الأرض، حيث بقيت أنهارهم مسودة، وقيل : الحجارة المسطورة، فإنها بقيت بعدهم آية ﴿لقومٍ يعقلون﴾ ؛ يستعملون عقولهم في الاعتبار والاستبصار. والله تعالى أعلم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٠٧
الإشارة : قوله تعالى :﴿وتأتون في ناديكم المنكر﴾ قال القشيري : من جملة المنكر : تخلية الفُسَّاق مع فِسقهم، وترك القبض على أيديهم، ومن ذلك : ترك الاحتشام للشيوخ والأكابر. هـ. وقال في قوله تعالى :﴿إن فيها لوطاً﴾، لما أخبروه بمقصدهم من
٣٠٩
إهلاك قوم لوط، تكلم في شأن لوط، إلى أن قالوا :﴿لننجينه...﴾ إلخ، فدلّ ذلك على أن الله تعالى لو أراد إهلاك لوط، ولو كان بريئاً، لم يكن ظلماً، لو كان كذلك قبيحاً لما كان إبراهيم - مع وفْر علمه - يُشكل عليه، حتى كان يجادل عنه، بل لله أن يعذِّبُ مَنْ يعذِّب ويعافي، من يعافي بلا حَجر هـ.