قال شيخ شيوخنا الفاسي في حاشيته : وما ذكره واضح من حيث العقيدة، وإن كانت الآية، وقولُ إبراهيم يحتمل أن يكون من نوع قوله تعالى :﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال : ٣٣]. والمعنى الأول معلوم من قوله تعالى :﴿قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ﴾ [المائدة : ١٧] الآية. هـ. قلت : ظاهر قوله تعالى :﴿يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ﴾ [هود : ٧٤] ؛ أن مجادلته كانت عن قومه فقط ؛ لغلبة الشفقة عليه، كما هو شأنه، ولذلك قال تعالى :﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ﴾ [هود : ٧٥]... حتى قال له تعالى :﴿يَـاإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـاذَآ عَنْ هَذَا﴾ [هود : ٧٦] لَمَّا تَحَتَّمَ عليهم العذاب، فتأمله.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٠٧
يقول الحق جل جلاله :﴿و﴾ أرسلنا ﴿إلى مدينَ أخاهم شعيباً فقال يا قوم اعبدوا الله﴾ وحده، ﴿وارجُوا اليومَ الآخر﴾ أي : خافوه، واعملوا ما ترجون به الثواب فيه، ﴿ولا تعثوا في الأرض مفسدين﴾ ؛ قاصدين الفساد، ﴿فكذّبوه فأخذتهم الرجفةُ﴾ ؛ الزلزلة الشديدة، أو : الصيحة من جبريل عليه السلام ؛ لأن القلوب رجفت بها، ﴿فأصبحوا في دارهم﴾ ؛ بلدهم وأرضهم، ﴿جاثمين﴾ ؛ باركين على الرُكب ؛ ميتين.
الإشارة : العبادة مع الغفلة عن العواقب الغيبية المستقبلة، لا جدوى لها، كأنها عادة، وخوف العواقب، من غير استعداد لها، خذلان، والاجتهاد في العمل، مع ارتقاب العواقب الغيبية، فلاح، من شأن أهل البصائر، كما قال تعالى في حق من مدحهم من أكابر الرسل :﴿أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾ [ص : ٤٥، ٤٦].
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٠٩


الصفحة التالية
Icon